هنري كيسنجر، وارن كريستوفر، مادلين أولبرايت، جيمس بيكر، كولن باول. خمسة وزراء خارجية أميركيين سابقين، بينهم الديموقراطي والجمهوري، بينهم الصقر والأقل صقورية. جميعهم شارك في التخطيط للحروب الأميركية. من حرب فيتنام كيسنجر إلى حرب الخليج الثانية بيكر الى احتلال العراق باول. عقد الخمسة ندوة في جامعة جورج تاون. ندوة"حكماء"هدفها رفع توصيات إلى الرئيس القادم إلى البيت الأبيض. تكلم كل وزير انطلاقاً من تجربته في الإدارات المتعاقبة. حملوا إدارة الرئيس جورج بوش مسؤولية تعميم صورة الأميركي البشع، حتى بين الحلفاء والأصدقاء التقليديين لواشنطن والمستفيدين من سياساتها. أوصوا الرئيس القادم بالخروج من مآزق بوش لتحسين صورة الولاياتالمتحدة: عدم اللجوء الى وسائل التعذيب. اغلاق معتقل غوانتانامو. ضرورة الانفتاح على سورية. الحوار مع"طالبان"، الضغط على القيادات العراقية للوصول الى مصالحة وطنية. تغيير السلوك الأحادي"كي يعرف العالم أننا نصغي ونفهم"، على ما قال باول. رفض مقولة"إما أن تكون معنا أو ضدنا". و"علينا أن تكون علاقتنا مع اسرائيل قوية الى درجة أن نقول لها لا يمكننا تحمّل علاقات سيئة مع ايران"، على ما قال كريستوفر. استطاع بوش، بعد ثماني سنوات في البيت الأبيض، استخلاص بعض هذه العبر من التجارب المأسوية في العراق. بعدما شن حملات، مدعومة بكل ترسانته ضد المقاومة وإرهاب"القاعدة"، أيقن، بمساعدة قائد قواته ديفيد بترايوس، ووزير دفاعه روبرت غيتس، بأن الحوار أجدى. وعلى هذا الأساس شكلت قوات"الصحوة"وأعيد الاتصال بالسُنة فتحقق في شهور قليلة من السياسة ما لم يتحقق في أربع سنوات من الحرب، أيام دونالد رامسفيلد والمحافظين الجدد. ويسعى أركان البيت الأبيض الآن الى نقل التجربة الى أفغانستان، حيث سيشكلون قوة من"حرس القبائل"في مناطق الحدود الباكستانية - الأفغانية، ويفتحون حواراً مع حركة"طالبان"حراس الحدود مقابل حراس العقيدة. يخيل لمن يقرأ توصيات"الحكماء"الوزراء السابقين أنهم قادمون من خارج الولاياتالمتحدة، أو من عالم آخر غير عالمنا الذي رسمت الإدارات الأميركية المتعاقبة ملامحه، عندما كانوا مسؤولين عن سياساتها الخارجية. لكن على رغم الحكمة الناجمة عن حصيلة تجاربهم، وعلى رغم عودة الوعي الى إدارة بوش، قبل مغادرة منصبه بأسابيع قليلة، لن يستطيع القادم الى البيت الأبيض، أكان جون ماكين أو باراك أوباما، تغيير الوجه القبيح لأميركا لأسباب كثيرة أهمها أن النظام الأميركي، بما هو نظام قائم على تحالف شركات السلاح والمال والنفط، لن يغيره رئيس مضطر للخضوع لهذا التحالف، فهمه الوحيد إدارة عملها سياسياً والدفاع عن مصالحها. وقد يكون في تحول المسؤولين إلى حمائم وحكماء عندما يتركون مناصبهم أفضل مؤشر الى ذلك. ها هو بوش يغادر حماقاته استعداداً لمغادرة البيت الأبيض.