ارتفاع الأسهم الأوروبية    قطر تدين بأشد العبارات العملية البرية الواسعة التي بدأها الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على غزة    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة تفقدية لقطاعات الوزارة وتدشين مشروعات جديدة بالمدينة المنورة    السعودية تحتفل باليوم العالمي لسلامة المرضى 2025    إطلاق اسم الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز على طريق المطار في المدينة المنورة    أمانة تبوك تضبط منزلًا لتخزين لحوم مجهولة المصدر    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي الرئيس التنفيذي للجمعية الدولية لمنتجي النفط والغاز    ضبط مواطنًا مخالفًا للائحة الأمن والسلامة في ضباء    بريطانيا تدين الهجوم الإسرائيلي على غزة    المياه الوطنية وصندوق الشهداء يوقعان اتفاقية تعاون    الإنجازات الأمنية على طاولة نائب أمير الرياض    قطر: نتنياهو لن يفلت من تبعات خرق القانون    الحكومة السورية ملتزمة بمحاكمة مرتكبي الجرائم.. خارطة طريق لاستقرار السويداء    في ختام الجولة الأولى بنخبة آسيا.. الهلال يقلب الطاولة على الدحيل القطري    وزير الدفاع وأمين مجلس الأمن الإيراني يبحثان الموضوعات المشتركة    في بداية مشواره بدوري أبطال آسيا الثاني.. النصر يستضيف الاستقلال الطاجيكي    «أليانتس أرينا» يعيد التاريخ بين بايرن والبلوز    بناء صورة جديدة للمملكة    موهبة بلجيكية تجذب اهتمام الهلال وأندية أوروبية    موجز    أدان بأشد العبارات اعتداءات سلطة الاحتلال بالمنطقة.. مجلس الوزراء: نتضامن مع قطر وندعمها لحماية أمنها وسيادتها    نزاع على تصميم ينتهي ب«التعويض والسحب»    مجلس الوزراء يوافق على وثيقة مشروع تخصيص مصنع الملابس والتجهيزات العسكرية    وفاة 5 أشخاص وإصابة 2 آخرين إثر حادث انقلاب مركبة في جازان    إعطاء أفضلية المرور.. تحقيق للسلامة المرورية    «فبراير الأسود» يعيد القصبي للدراما    سفاسف (الظهور)..!    «العرضة» على شاشة الثقافية اليوم الأربعاء    هل ستستمر مواقع التواصل الاجتماعي؟    ثمن رعاية القيادة لريادة الأعمال.. أمير الباحة يطلع على مبادرات منشآت في المنطقة    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطبة الجمعة المقبلة.. وحدة الصف ونعمة الأمن والرخاء ورغد العيش    مشاركات فاعلة في صون الطبيعة وحماية البيئة.. السعودية رائد عالمي في الحفاظ على «طبقة الأوزون»    قطرات عين ثورية بديلة عن النظارات    يوم النخيل العربي    انتظر في حسرتي لين الغياب    ماكل هرج نسمعه نستمع له ولا كل من وصِي على الطيب طابي    Guinness توثق أكبر طبق جولوف    %44 من شركات إنتاج الروبوتات يابانية    نشاط بركاني طويل على القمر    غوتيريش: الوضع في غزة «مروع»    31.6% نمو متوقع بصادرات المملكة لدول الخليج    اللصقات الهرمونية أنسب لمرضى السكري    وجبة دهون واحدة تضعف الذاكرة    الهلال يتغلب على الدحيل بثنائية في النخبة الآسيوية    الهلال يبدأ مشواره في دوري أبطال أسيا للنخبة بالفوز على الدحيل    خطى ثابتة لمستقبل واعد    مستشفى قوى الأمن بالدمام يحصل على المركز الأول في جائزة أداء الصحة بمسار الأمومة والطفولة    بيئة الرياض تتلف 3 أطنان من اللحوم غير الصالحة وتضبط 93 مخالفة في سوق البطحاء    النقل تفرض غرامات وحجز المركبات غير النظامية    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    الإسراف وإنفاق ما لا نملك    متقن    أمير القصيم يزور محافظة البدائع ويلتقي المواطنين ويطلع على مشاريع تنموية تفوق 100 مليون ريال    جامعة الملك سعود تُنظّم الندوة العالمية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية    المواطن أولا رؤية وطن تتجدد حتى 2030    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "الجمع بين رأيي الحكيمين" للفارابي : الخطأ الذي أنتج كتاباً تأسيسياً
نشر في الحياة يوم 03 - 01 - 2008

منذ أيام الفلسفة الاغريقية هناك دائماً محاولات للمقارنة بين أفكار كبيرَي هذه الفلسفة: أفلاطون وأرسطو. اذ، على رغم كل الفوارق بين مدرستين فكريتين تعتبر احداهما بصورة اجمالية أقرب الى المثالية، والثانية بصورة اجمالية أيضاً أقرب الى المادية، يرى الباحثون دائماً أن هناك ما يجمع بين هاتين المدرستين، يفوق كثيراً ما يفرّق بينهما. ولعل أقدم المحاولات لتبيان هذا، في تاريخ الفلسفة، محاولة ستيلفيوس، التي اشتغل عليها أبو نصر الفارابي، وهو منكبّ على وضع مؤلفه"الجمع بين رأيي الحكيمين"الذي يعتبر، بعد عمله الكبير"آراء أهل المدينة الفاضلة"، من أكثر كتبه شهرة وتداولاً. وهنا، لا بد من الإشارة الى ان الفارابي، كان أميل في كتاباته الفلسفية الأخرى، الى أفلاطون من الناحية الفلسفية والأخلاقية والمثالية الخالصة، فيما كان من ناحية كتابته السياسية أقرب الى أرسطو. ولعله شاء في وضعه لپ"الجمع بين رأيي الحكيمين"أن يفسر تلك الازدواجية ويبررها. علماً أن القارئ فهم هنا ان الحكيمين المذكورين هما أفلاطون وأرسطو. بل لعله شاء، في شكل أكثر تحديداً أن يخلط أمور فلسفته، فيبدو سياسياً أقرب الى أفلاطون والعكس بالعكس. ومهما يكن من أمر، فإن هذا خلّف لنا واحدة من أفضل المحاولات في التوليف بين فلسفتين كان كثر يعتقدون أنهما متناقضتان. أما الفارابي فإنما جاء ليقول بوحدة الفلسفة والفكر. وهو ما كانت مدرسة الاسكندرية - وأفلوطين الذي تأثر به الفارابي كثيراً ? قد اشتغلت عليه طويلاً.
إذاً، على خطى مدرسة الاسكندرية يؤكد الفارابي منذ مفتتح كتابه انه لما رأى"أكثر أهل زماننا قد تحاضّوا وتنازعوا في حدوث العالم وقدمه، وادعوا ان بين الحكيمين المقدمين المبرزين اختلافاً في اثبات المبدع الأول، وفي وجود الأسباب منه، وفي أمر النفس والعقل، وفي المجازات على الأفعال خيرها وشرّها، وفي كثير من الأمور المدنية والخلقية والمنطقية، أردت، في مقالتي هذه، ان اشرع في الجمع بين رأييهما، والابانة عما يدل عليه فحوى قوليهما، ليظهر الاتفاق بين ما كانا يعتقدانه، ويزول الشك والارتياب عن قلوب الناظرين في كتبهما. وأبين مواضع الظنون ومداخل الشكوك في مقالاتهما، لأن ذلك من أهم ما يُقصد بيانه، وأنفع ما يُراد شرحه وايضاحه". وبعد أن يحدد الفارابي في هذه المقدمة، العناصر الأساسية التي يبحث فيها، يبدأ بالحديث عن أوجه الاختلاف بين الفيلسوفين قبل أن ينتقل الى أوجه الجمع. وأما العناصر فهي، وكما فرزها الدكتور ألبير نصري نادر، الذي يفضل تحقيقه لهذا الكتاب، على أي تحقيق آخر:
- الإجماع على أن أفلاطون وأرسطو هما المرجع الأول للفلسفة، وتحديد معنى الخلاف في الرأي فيهما.
- معنى الفلسفة وتحديدها: الفلسفة تشمل جميع العلوم، وفيها بحث كل من أفلاطون وأرسطو.
- طريقة أرسطو في معالجة هذه العلوم: استخدام البرهان والقياس.
- الإجماع حجة، لا سيما اذا كان اجماع العقلاء، وأخيراً لا يجوز الحكم بالكل عند استقراء الجزئيات.
بعد ذلك في"بحث أوجه الاختلاف"، يفيدنا الفارابي تباعاً: أولاً، ان طريقة حياة أفلاطون تختلف عن طريقة حياة أرسطو، وثانياً، عن الفوارق بين طريقة أفلاطون في تدوين الكتب وطريقة أرسطو، وثالثاً في طريقة أرسطو في استخدام القياس ثم طريقته في ترتيب كتبه، وبعد ذلك: معنى الجوهر عند أفلاطون وعند أرسطو، فطريقة القسمة عند كل منهما، وبعد ذلك: القياس كيف استخدمه أرسطو وهل استخدمه أفلاطون، وصولاً الى مسائل طبيعية اختلفا فيها مثل مسألة الإبصار. ثم الأخلاق بحسب رأي أفلاطون فبحسب رأي أرسطو، ومسألة المعرفة: المُثُل عند أفلاطون وموقف أرسطو منها، والنفس ومصيرها ثم رأي الفارابي في المعرفة وفي النفس، كتمايز لديه عن أفلاطون وأرسطو. ومن هذا ينطلق الفارابي للبحث في مسألة قِدم العالم وحدوثه ليصل بعد بحث استطرادي في مسألة المُثُل وموقف أرسطو منها الى مسألة المجازاة والعقاب. وفيلسوفنا العربي، الذي كان يلقب بپ"المعلّم الثاني"على اعتبار أن أرسطو هو"المعلم الأول"يخلص من هذا كله الى خاتمة يقول فيها:"فمن تأمل ما ذكرناه من أقاويل هذين الحكيمين، ثم لم يعرج على العناد والصراع، أغناه ذلك عن متابعة الظنون الفاسدة، والأوهام المدخولة، واكتساب الوزر، بما ينسب الى هؤلاء الأفاضل، مما هم منه براء وعنه بمعزل... وعند هذا الكلام نختتم القول في ما رمنا بيانه، من الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطوطاليس...". فهل حقاً تمكن هذا النص من اقناع المتخاصمين بين مناصرة أفلاطون ومناصرة أرسطو بأن في المستطاع حقاً"توحيد أفكارهما"؟
يرى الدكتور ألبير نصري نادر أن من يطالع هذا"الكتاب"أو بالأحرى هذه"الرسالة"يتضح له، أن الفارابي قام بهذه المحاولة بطريقة ساذجة سطحية في أكثر الأحيان، ذلك أنه يعتمد أحياناً على التأويل للألفاظ والمعاني أكثر من اعتماده على روح المذهب عند كليهما". كما يرى د. نادر أن الفارابي"ضُلِّل عندما اعتمد على كتاب منحول، منسوب خطأ الى أرسطو". وهذا رأي في الكتاب لا يبتعد عنه كثيراً رأي آخر لمفكر عربي من القرن العشرين أرّخ بدوره لحياة الفارابي وحلّل أعماله وهو د. سعيد زايد الذي يقول مستطرداً حكماً على الكتاب جاء في مصنف"تاريخ الفلسفة العربية"لحنا فاخوري وخليل الجر"الجزء الثاني وفيه ان"محاولة الفارابي قامت على أساس واهٍ هو اعتقاده بوحدة الفلسفة... ومن ثم فقد كانت محاولة فاشلة لبعد ما بين أرسطو وأفلاطون في الرأي الفلسفي"، يقول زايد:"... ذلك ان محاولة الفارابي هذه في التوفيق بين فلسفتي أفلاطون وأرسطو، إنما بنيت على ظن خاطئ، فهو انزلق مع من انزلقوا من مفكري عصره ونسب كتاب"ايثولوجيا"لأرسطو وهو في الواقع للفيلسوف الاسكندري أفلوطين". بيد أن زايد يستدرك هنا قائلاً انه"مهما كان من أمر هذا الخطأ، فإن الكتاب يعتبر دعامة كبرى قامت عليها الفلسفة الإسلامية. فهي أصلاً تعتبر فلسفة توفيقية، حاولت التوفيق بين أفلاطون وأرسطو، وقرّبت بين أرسطو والمعتقدات الإسلامية وجعلته أصلاً من أصولها، كما حاولت التوفيق بين الدين والفلسفة، ورأت ان الحقيقتين الدينية والفلسفية متفقتان في الموضوع وإن اختلفتا في الشكل".
والحال ان المحاولات الحثيثة التي سعى كبار من المفكرين المسلمين، من الكندي الى ابن رشد، الى إنجاحها بغية التوفيق بين الدين والفلسفة كانت هي ما أثار ثائرة الإمام الغزالي ودفعه الى وضع كتابه"تهافت الفلاسفة"الذي سيردّ عليه ابن رشد بپ"تهافت التهافت"بعد نحو قرن من الزمن. وفي التهافتين، كان حضور الفارابي كبيراً، مهاجَمَاً من جانب الغزالي، ومؤيداً من ابن رشد، وخصوصاً في العلاقة مع"كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين"، فهل علينا أن نستخلص من هذا ان جزءاً أساسياً من نقاش حاد دار حول الفلسفة الإسلامية - العربية، انما قام على فرضيات خاطئة وانطلاقاً من كتاب نسب الى أرسطو، فإذا هو من تأليف أفلاطون؟
مهما يكن من أمر، فإن هذا الكتاب أي كتاب"الجمع بين رأيي الحكيمين لم يكن التراث الوحيد الذي خلفه الفارابي، وإلا لما كان سيستحق مكانته في تاريخ التراث الفكري الإسلامي. ذلك ان الفارابي كان حسبه أن يضع"آراء أهل المدينة الفاضلة"حتى ولو بالاستناد الأساسي الى"جمهورية أفلاطون"، حتى يستحق بالفعل مكانته ولقبه المعلم الثاني. لكن الفارابي الذي نشأ، إن لم يكن قد ولد، في مدينة فاراب في آسيا الوسطى وتعلم في بغداد، قبل أن يبرز متنقلاً بينها وبين دمشق، حيث وضع معظم كتبه، ترك كثيراً من المؤلفات الأساسية التي لا تزال تعتبر حتى اليوم من أبرز كتب التراث الفلسفي والفكري، بل الفني أيضاً كتابه عن الموسيقى وابداعاته النظرية التأسيسية في هذا المجال. ومن أبرز كتب أبي نصر محمد الفارابي 873 - 950:"احصاء العلوم"،"تحصيل السعادة"،"السياسة المدنية"،"رسالة في السياسة الأخلاقية"، اضافة طبعاً الى"آراء أهل المدينة الفاضلة"وپ"كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين".
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.