تمر علاقات الصداقة بين الشبان بمنعطفات كثيرة، تمثل دور القوة الدافعة لاستمرار المودة، أو "الكارثة" التي تسرع من إعادة النظر في طبيعة العلاقة، والتي تأتي غالباً على شكل"تخفيض التمثيل الديبلوماسي"، وربما تصل إلى"قطع العلاقات، وسحب السفراء". ويواجه كثيرون أياماً سوداً في علاقاتهم مع أصدقائهم، ولا يترددون في وصفها ب"سحابة صيف"، وأحياناً ب"زلزال"، يباغت العلاقة باستحقاقات يتدخل فيها الوسطاء لحلها. وأحياناً يغلب العقل على أجواء التوتر، ويتم"فض الاشتباك"بفنجان قهوة في أحد المقاهي، أو هدية مغلفة بأناقة، تحمل في داخلها سطوراً تؤكد التقدير والاعتذار في الوقت ذاته. يتأسف غالب ابراهيم 25 سنة على علاقته بمن كان يصفه"صديق العمر"، والتي جاءت نهايتها لا توازي حجم الزخم الذي صاحب بدايتها. ويضيف:"تعرفت الى صديقي في الصف الثاني الثانوي، وكانت علاقتنا هادئة جداً، ولا تخرج عن اهتمامات الطلاب في تلك المرحلة، إذ كنا نجلس في مقعدين متجاورين في الفصل الدراسي، وكنا نلتقي خارج المدرسة في أوقات متقطعة، وتعززت علاقتنا بعد أن انتقلنا إلى الجامعة والتحقنا بكلية واحدة، وفي التخصص نفسه، وصولاً إلى سفرنا معاً أكثر من مرة، وهو الأمر الذي جعل من هذا الصديق رقماً صعباً في معادلتي الاجتماعية". ويشير غالب إلى أن علاقتهما استمرت أكثر من تسع سنوات، وهي فترة يصفها ب"الكافية جداً"لكي يتخذ قراراً بقطع العلاقة بينه وبين صديقه، ويضيف:"مبرراتي معقولة، وأفهم أن هذا القرار ليس سهلاً، لكنه ضروري لكي توضع الأمور في مسارها الصحيح، ولا تنعكس في شكل سلبي على أي واحد منا، خصوصاً أن الإرث الذي خلفته سنوات العلاقة بيننا بدأ يضغط علي في شكل كبير، وهو الأمر الذي لا أستطيع احتماله، وكان قرار الانفصال، ولكن للأسف لم يأت في شكل هادئ". وحول المبررات التي بنى عليها غالب قراره ترك صديقه، أشار إلى أنها تتلخص في جزئية صغيرة، وعميقة في الوقت نفسه، ويتابع:"مشكلة هذا الصديق أنه لم يستوعب المتغيرات التي طرأت علينا مع الزمن، ويتعامل معي وكأننا ما زلنا في المرحلة الثانوية، من دون أن يستوعب أن المرحلة الجامعية تعني شكلاً مختلفاً أيضاً في العلاقة بين الأصدقاء، وصولاً إلى تخرجنا في الجامعة، وأفهمته أكثر من مرة أن لكل مرحلة طبيعتها الخاصة بها، ومن هنا كانت مشكلتي معه تتلخص في الجانب الفكري، من دون أن أنكر وجود أمور ثانوية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وتحديداً في تعامله معي خلال السنوات الأخيرة بصفتي شخصاً يملأ الفارغ من وقته فقط". ولا ينكر غالب حسرة صديقه على قراره المفاجئ، والذي تأثر كثيراً وأرسل له وسيطاً على أمل الحفاظ على"إرث السنين"، ولكن يؤكد من جهته أن"العلاقة بين شخصين تمر بمحطات معينة، ولا بد من اتخاذ قرارات صارمة، وإن كانت مؤلمة، فأنا يهمني أن أحافظ على صحتي النفسية، حتى لو كان الثمن أن أتخلى عن بعض الصداقات". ويلفت حسام السليمان 29 سنة إلى أن علاقته بصديقه مرت بتوتر لمدة شهرين، ولكنها عادت أفضل من السابق، ويضيف:"اشتريت سيارة حديثة، بعد أن كنت مشهوراً بين زملائي بسيارتي القديمة، وربما لم يستوعب هذا الصديق أن تكون لي سيارة حديثة، فسيطرت الغيرة على تفكيره، وأنا أعرف ذلك، لكنه كان يحتمي بمبررات أخرى يفسر بها الجفاء الذي طرأ على علاقتنا، وحاولت الإتصال به أكثر من مرة، غير أنه قابل اتصالاتي بالإهمال، وخلال هذه المدة دخلت إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، ولم أخبره، وبدأ من جهته بالاتصال وطلب مني أن نلتقي في أحد المقاهي، والتقينا على فنجان قهوة ساخنة، أذابت جليد التوتر في علاقتنا". ولا تتوقف علاقات الصداقة، بحسب كثيرين في فترات يهبط فيها"المؤشر"، ويكتسي باللون الأحمر كما هي لغة الأسهم، ولكن سرعان ما يعاود المؤشر عافيته ويكتسي باللون الأخضر محققاً أرباحاً عالية، لأن الخسائر نادراً ما تحصل، ولكن إذا حصلت فإنها تكون"مؤلمة". ويلخص الكاتب غازي القصيبي في كتابه"حياة في الإدارة"طبيعة العلاقات بثلاث دوائر، تبدأ من الدائرة الواسعة والتي تستوعب الجميع، ثم الدائرة الوسطى والتي تستوعب الزملاء، وتنتهي بالدائرة الأضيق والتي لا تستوعب سوى الأصدقاء، ويعقب على هذا التقسيم بقوله:"ومن يخلط بين هذه الدوائر يعاني كثيراً".