كتّاب الرأي في "نيويورك تايمز" يحتلون قائمة مشاهير الصحافة: مورين داود، توماس فريدمان، نيكولاس كريستوف، بول كروغمان، فرانك ريتش، ديفيد بروكس. هذه القائمة انضم اليها اعتباراً من الاثنين الماضي وليام كريستول، رئيس تحرير"ويكلي ستاندارد"الناطقة بلسان المحافظين الجدد، وهو متطرف من دعاة الحرب، وشريك في الجريمة التي ارتكبت ضد العراق وشعبه. أحتج بشدة على انضمام هذا المتطرف العنصري الى جريدة ليبرالية راقية من مستوى"نيويورك تايمز"، فهي جريدتي المفضلة باللغة الانكليزية منذ أربعة عقود، وقد صمد ولائي لها أمام بذاءات وليام سافاير، وسعدت برحيله عن صفحة الرأي ليقتصر جهده في آخر أيامه على مقال"عن اللغة". والآن جاءت الجريدة بوليام آخر أكثر تطرفاً من سابقه، وأرجح أن أبقى مع"نيويورك تايمز"رغماً عنه لا بفضله. طبعاً"نيويورك تايمز"تعاقدت مع كريستول الذي هاجمها باستمرار لتثبت أنها ليبرالية تتسع لكل الآراء، غير أن سمعتها لا تحتاج الى شهادة، والمتطرف، سواء كان سافاير أو كريستول أو تشارلز كراوتهامر في"واشنطن بوست" يلطخ سمعة الجريدة بما يبث من سموم وأحقاد. كريستول أتحف القراء بأول مقال له ككاتب منتظم يوم الاثنين الماضي، وكان بعنوان"الرئيس مايك هاكبي؟"وكتب تمنياته لا أي حقيقة نعرفها، وهو، باختصار، شكر باراك أوباما لأنه هزم هيلاري كلينتون في ايوا، ثم عرض فرص هاكبي في التفوق على اوباما اذا انتهى الأمر بهما مرشحين عن الحزبين الجمهوري والديموقراطي. كريستول كتب الاثنين، فلم يحل الثلثاء حتى كانت هيلاري كلينتون تفوز في شكل مفاجئ مذهل في نيوهامبشير، وتقوّض مقال"مفكر"المحافظين الجدد من أساسه. لا اعتراض لي على فوز أي مرشح، واذا فازت هيلاري كلينتون، فهي ستكون قريبة في سياستها الى زوجها بيل، واذا فاز اوباما فهو سيرد لي ثقتي بالديموقراطية الأميركية التي هزها جورج بوش. ولا اعتراض لي على القس مايك هاكبي، فقد كنت أتابع قديماً"الراهبة المغنية"جين بول ماري ديكر، ولا غضاضة في أن يقوم الآن قس يغني ويعزف على الغيتار، فهو سيكون بالتأكيد أفضل من جورج بوش، وهي ايجابية نادرة للرئيس الحالي، فأي مرشح يخلفه سيكون أفضل منه. توقفت من مقال كريستول الأول عند حديثه عن تعيين جون روبرتس وصموئيل اليتو في المحكمة العليا، فهو لم يجد انجازاً آخر يسجله للرئيس، وهذا مع العلم أن اليتو وصل الى المحكمة العليا لأن المرشح الذي اختاره بوش في الأصل، المحامية هارييت ميرز، كانت في المحاماة أفشل منه في الحكم، فرفضت، ورشح اليتو بدلاً منها. بعد سبع سنوات لبوش في الحكم لم يجد كريستول شيئاً يسجله له سوى تعيين في المحكمة العليا، وطبعاً"الانتصار"في العراق. لا انتصار في العراق أبداً، بل جريمة ارتكبتها ادارة بوش، وشارك فيها محرضاً متستراً أمثال كريستول. وعندما يكون ثمن الانتصار دماء مليون انسان بريء يصبح الموضوع هزيمة للإنسانية اذا لم يحاكم القتلة والمحرضون. وحتماً لا ديموقراطية، فهذه لا تستحق اسمها اذا كان ثمنها أرواح مئات ألوف الأبرياء. عدت الى"ويكلي ستاندارد"مع صدور مقال كريستول في"نيويورك تايمز"ووجدت أنها تحتفل برحيل هيلاري كلينتون، وتخطئ في تقدير حظوظها في الترشيح عن الحزب الديموقراطي وتخطئ في بقية الأمور. كان هناك مقال كتبه فريد بارنز موضوعه أن الديموقراطيين يرفضون أن يعترفوا بنجاح زيادة القوات في العراق. وأزيد على تعليقي عن"الانتصار"ان الارهابيين والمقاومين انسحبوا، بانتظار أن تنسحب القوات الأميركية ليعودوا. و"نيويورك تايمز"نفسها كتبت الأربعاء في خبر طويل ان القوات الأميركية أحاطت بسرية هائلة اجتياحاً عسكرياً في ديالى، ثم هاجمت ولم تجد أحداً لأن المسلحين انسحبوا، فهم يقررون متى يحاربون، وكل ما يحتاجون اليه هو الانتظار. كان هناك مقال آخر عنوانه"عام جديد سعيد"كتبه اروين ستلزر، وهذا متطرف محترف، اختصاصه أنصاف الحقائق، فأختار من مقاله نقطتين: الأولى أن الاقتصاد الأميركي منتعش. زاد مليون وظيفة وزاد 3 الى 4 في المئة. هل هذا صحيح؟ في الوقت نفسه كانت"نيويورك تايمز"تنشر ما نعرف جميعاً وتقول ان جورج بوش نفسه اعترف الاثنين، يوم بدء مساهمة كريستول في الجريدة، بأن الاقتصاد الأميركي يواجه تحديات، والمؤشرات الاقتصادية مختلطة، وهذا من رجل أصرّ على رغم كل الأرقام ان الاقتصاد عظيم. بين الأسباب الأخرى لسعادة ستلزر بالعام الجديد ان فرنسا وألمانيا لم تعودا تتنافسان على العداء لأميركا. غير أن الكاتب الذي يرى بعين واحدة لا يقول ان رؤساء حكومات ايطاليا وبريطانيا واستراليا وتوأمي بولندا المؤيدين لبوش لحقوا رئيس وزراء اسبانيا، وفي كل هذه الحالات كان الخليفة ضد بوش علناً، أو لا يؤيده. كذلك انسحب معظم"الحلفاء"المزعومين من العراق. هذه هي المطبوعة التي اختارت الحصيفة الرصيفة"نيويورك تايمز"متطرفاً بارزاً فيها ليلوث صحفات أهم جريدة في العالم، وينضم الى نادٍ من الكتاب لا يستحق أن يقدم القهوة الى أعضائه.