فاز الرئيس جورج بوش بولاية ثانية، على رغم ان سجله في الحكم، من الحرب على الارهاب، الى العراق والاقتصاد، لا يبرر فوزه، الا ان الممارسة الديموقراطية هي التي تقرر، وليس أي كاتب أو محلل. وجاء الفوز من طريق ولاية أوهايو حيث خسر عشرات ألوف العمال وظائفهم بسبب السياسة الاقتصادية للرئيس. نعجب ونتعجب، ونرجو للرئيس نجاحاً في السنوات الأربع التالية، فاته في السنوات الأربع الماضية. واكتفي اليوم بعرض بعض المواقف تأييداً للرئيس ومعارضة له، آملاً بإلقاء بعض الضوء على ما سيأتي. وليام كريستول كتب في مطلع الصيف 14/6/2004 في "ويكلي ستاندارد" مقالاً عنوانه "نعم بوش سيفوز" ومارك ستاين كتب في آخر الصيف 29/8/2004 مقالاً في "الصنداي تلغراف" عنوانه "شيء ما يقول لي ان بوش يملك كل الأوراق الرابحة"، فالمحافظون الجدد قرروا منذ البداية، وحتى يوم التصويت، وقبل فرز أول ورقة اقتراع، ان جورج بوش سيفوز بالرئاسة مرة ثانية لأن هذا يناسبهم. لا أتهم أمثال كريستول وستاين بشيء اكثر من التطرف السياسي والتحريض، غير انني أتهم المحافظين الجدد داخل الادارة بالجريمة، من فساد ورشى الى قتل الأميركيين والعراقيين، وأطالب بمحاكمتهم بعد أربع سنوات إن لم يكن فوراً. بانتظار تلك المحاكمة أقول ان الوقاحة ليست جريمة، وإنما هي اكثر ما يميز فكر المحافظين الجدد، وأرجح انهم يصدقون كذبهم لكثرة تكراره، ويتوقعون بالتالي ان يصدقه الناس. كريستول بدأ مقاله بالقول: "جورج بوش سيفوز. هو سيفوز في الحرب، وهو سيفوز في الانتخابات...". وجريدة "واشنطن تايمز"، وهي مطبوعة اخرى للمحافظين الجدد وكل المتطرفين زكت جورج بوش للرئاسة في مقال نشر للمرة الأولى في 19/10/2004، ثم أعيد نشره عشية الانتخابات، وكانت فكرته ان الرئيس جورج بوش يستحق الفوز مرة ثانية لأنه سيجعل العالم اكثر أمناً. وكانت "ويكلي ستاندارد" سكرى بنشوة الانتصار الكبير بعد اعلان النتيجة وهذا مفهوم ومتوقع من أنصاره وهو حقهم. فهمت ان جورج بوش يستحق الفوز، لأنه انتصر، أو سينتصر في الحرب على الإرهاب. هل هذا صحيح؟ أراه نقيض الصواب، فحرب جورج بوش على الارهاب زادت الارهاب، وأنا هنا لا أبدي رأياً وانما معلومات، فإرهاب 11/9/2001 تبعته حربان على أفغانستان وعلى العراق، والنتيجة ان اسامة بن لادن لا يزال حياً، ويسجل آراءه للبث التلفزيوني، وقد أنجبت القاعدة قواعد، وهناك سجل بعمليات ارهابية من بالي الى اسبانيا، ومحاولات ارهابية اذا فشل اكثرها، فإن بعضها سينجح في النهاية مع ازدياد خطر "قنبلة قذرة" بفضل أطنان المواد النووية الضائعة حول العالم. لا أدري اذا كان في سجل جورج بوش على مدى السنوات الأربع الماضية نقاط قوة يمكن استغلالها في الترويج له، الا ان الحرب على الارهاب، كأداء الاقتصاد، من أسوأ النقاط ضده، والتوكؤ عليها لا يعني سوى وقاحة تقلب الحقائق رأساً على عقب. سجل جورج بوش ما كان يؤهله لطلب ولاية ثانية، وأترك للقارئ ان يقارن بين تأييد "ويكلي ستاندارد" و"واشنطن تايمز" له، ومعارضة أرقى صحف العالم له مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"الغارديان" وأيضاً مجلة "الايكونومست". هذه المجلة طرحت خياراً بين "العاجز"، أي بوش، و"المرتبك"، أي كيري، وخلصت الى دعم المرشح الديموقراطي ولكن "بقلب مثقل". وأيدت "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" كيري مع التحفظ نفسه، والأولى قالت ان تفضيل مرشح يكون على اساس سجله في الماضي وأولوياته وخلقه العام، وهي على اساس هذه النقاط الثلاث تؤيد كيري، اما الثانية فاعترفت بأن التصويت لكيري لا يخلو من مخاطر، الا ان المخاطر على الجانب الآخر معروفة وأكبر، لذلك فهي تؤيد كيري في طلبه عون الحلفاء في العراق، وفي الحرب على الارهاب، وفي التعاطي مع الاسلام من دون غطرسة. ثمة ألف مطبوعة حول العالم أيدت كيري ضد بوش، وهناك مطبوعات كثيرة أيدت بوش ضد منافسه الديموقراطي، غير انني لاحظت وأنا أتابع الطرفين ان انصار بوش يكذبون في الحديث عن "انجازاته"، وان معارضيه أيدوا كيري في معظم الاحيان ليس لأنه مؤهل وقادر فعلاً، بل لأنه أقل ضرراً من جورج بوش، سواء في مجال الحرب على الارهاب، أو الاقتصاد والبيئة والضمانات الاجتماعية والطبابة وغيرها. وكنت كتبت غير مرة قبل الانتخابات انه لا يهمني من يفوز بها، فقد وجدت بوش وكيري يتنافسان في تأييد اسرائيل، غير ان مثل هذا الموقف المرتبط بقضية واحدة ذاتية اكثر منها موضوعية، لذلك اختار من موقف رجل الاعمال البليونير جورج سوروس، فهو عارض بوش من البداية، وقام بجولات في طول الولاياتالمتحدة وعرضها في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من الحملة الانتخابية، لحشد التأييد ضد بوش قبل ان يكون مع كيري. سوروس يرى ان جورج بوش قاد البلاد في اتجاه خاطئ، وكانت الحرب على العراق خطأ رهيباً، يزيد منه ان بوش، في رأي سوروس، غير قادر على الاعتراف بأخطائه، وهو بالتالي يحاول ان يجعل الحقيقة تتوافق مع معتقداته على رغم ان الثمن خداع نفسه والمواطنين. وكنت يوم الانتخابات كتبت مقالاً قلت فيه ان ايمان جورج بوش يخيفني، لأنه يعتمد عليه، بدل المعلومات والتحليل، في اتخاذ قراراته، ووجدت ان جريدة "الاندبندنت" كررت الفكرة في اليوم نفسه، ونشرت مقالاً بعنوان "في التنافس بين الايمان وحسن الادراك يجب ان تصوت اميركا للمستر كيري، وتعطي العالم أملاً بالمستقبل". ووجدت ان سوروس يخاف أيضاً من إيمان جورج بوش، ومن استغلال الرئيس لعقيدته في حشد تأييد قاعدة عريضة له، تجد ايضاً في الايمان مخرجاً من حقيقة مربكة ومهددة. مهما يكن الأمر فقد فاز جورج بوش بالرئاسة وهو لا يستحقها أربع سنوات اخرى، وعجز أبوه عن كسب ولاية ثانية يستحقها، الا ان هذا منطق الديموقراطية، والسؤال الآن هل ان بوش تعلم من اخطاء سنواته الأربع الأولى حتى لا يكررها؟ كلنا يتمنى ذلك، غير ان أول خطوة لاصلاح الخطأ هي الاعتراف به، وجورج بوش لا يرى انه اخطأ، فكيف يخطئ وقراراته يسندها الايمان والصلاة. هذا الايمان السياسي هو ما يخيفني وسوروس في جورج بوش.