بدأ الرئيس جورج بوش زيارته الاولى إلى المنطقة بصفته رئيساً للولايات المتحدة. وأعلن ان أهداف الزيارة تتمثل بتعزيز الثقة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، واقناع الدول العربية التي سيزورها بأن اسرائيل يجب أن تكون شريكة في عملية السلام، لأن فيها مصلحة للعالم العربي كله. وأضاف بوش انه يهدف ايضاً إلى اقناع الدول العربية بدعم انطلاقة أنابوليس، والبحث مع القادة العرب حول انعكاسات الاستراتيجية الاميركية الحالية، وحماية دول المنطقة من هجوم ايراني مفترض. وما لم يقله بوش صراحة هو أن من أهدافه بلورة تحالف يضم الدول العربية"المعتدلة"لمواجهة الدور المتعاظم لإيران. أما الهدف الأساسي وراء الزيارة، وهو الذي حدد توقيتها، فهو دعم رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، وتعزيز فرص بقائه في الحكم خصوصاً بعد صدور تقرير فينوغراد في اواخر الشهر الجاري، والذي يهدد الحكومة الاسرائيلية بالسقوط. طبعاً، لا يمكن ان نسقط من اهداف الزيارة، ان بوش يريد ان يضع في سجل رئاسته انجازاً يتمثل بأنه حاول انهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، وانه رجل سلام، وقادر على النجاح، وليس فقط صانع الحروب الوقائية واشاعة الفوضى الهدامة في المنطقة والعالم. وحتى نتأكد من ان هدف الزيارة الاول هو دعم اولمرت يجب ان نسمع الدعم المطلق المتواصل الذي قدمه بوش عشية الزيارة للحكومة الاسرائيلية ورئيسها، لدرجة ان اولمرت كان اكثر"كرماً"منه حيال حقوق الفلسطينيين، فقد قال اولمرت في مقابلة مع صحيفة"يديعوت احرونوت"ان العالم، حتى المتعاطف مع اسرائيل، يرى مستقبلها ضمن حدود 1967، ويتكلم عن تقسيم القدس، وان اسرائيل لا توافق على ذلك ولكنها يجب ان تأخذه في الحسبان. اما بوش فقد طالب بالتفريق بين المستوطنات الاسرائيلية المرخصة وغير المرخصة عند ترسيم الحدود، متجاوزاً حقيقة ان الاستيطان كله غير شرعي ولا قانوني وفقاً للقانون الدولي والشرعية الدولية، ووفقاً للسياسة الاميركية المعتمدة منذ العام 1967 وحتى منح بوش لشارون ورقة الضمانات الاميركية لاسرائيل في حزيران العام 2004، والتي غيرت فيها الولاياتالمتحدة موقفها التقليدي حين قالت ان ترسيم الحدود بعد معاهدة السلام يجب ان يأخذ في الاعتبار"الحقائق الجديدة"التي اقامتها اسرائيل على الارض منذ العام 1967، وهذا يعني ان المستوطنات وخصوصاً ما تسمى الكتل الاستيطانية الكبيرة ستضم إلى اسرائيل في أي حل نهائي. كما جاء في ورقة الضمانات انه لا عودة الى حدود 1967، ولا عودة للاجئين إلى داخل اسرائيل. واللافت ان بوش كرر هذه المواقف اكثر من مرة عشية زيارته، مما يؤكد ان السقف الذي تتحرك الادارة الاميركية تحته ويحكم المفاوضات وعملية السلام، يستند إلى ورقة الضمانات الاميركية وليس الى القانون الدولي والشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. في هذا السياق، نفهم لماذا يعتبر اولمرت وحكومته ان الظرف الدولي الحالي - كما قال - مناسب جداً لاسرائيل ويقدم لها فرصة للتوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين يحقق شروطها واملاءاتها واهدافها الرئيسية. ما تقدم يفترض ان يجعل التوقعات الفلسطينية من زيارة بوش ضئيلة جداً، هذا اذا كان هناك بالإمكان خروجها بأية نتائج ايجابية جوهرية. فبوش الذي رفض وضع اكليل من الزهور على ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات، لدرجة التفكير بتغيير مكان لقائه مع الرئيس ابو مازن، يتبنى الموقف الاسرائيلي بشكل كامل، ولن يحدث تقدم في المفاوضات الا اذا ضغط على اسرائيل وهذا ليس وارداً في الحسبان. فالاستيطان في القدس وفقاً لسياسة بوش شرعي، والاستيطان في الكتل الاستيطانية التي سيتم ضمها لاحقاً لاسرائيل مقبول، اما المستوطنات غير المرخصة فيجب وقف الاستيطان فيها وازالتها، وعدم اقامة مستوطنات جديدة، وعدم مصادرة اراض خاصة جديدة. وهذا هو الموقف الاسرائيلي نفسه، يضاف اليه ان الحكومات الاسرائيلية دأبت على ترخيص البؤر الاستيطانية غير المرخصة من خلال توسيع حدود المستوطنات القائمة بحيث تشمل هذه البؤر، وبذلك تصبح مرخصة وقانونية! ان الجانب الفلسطيني لن يحقق الكثير من زيارة بوش، فالرئيس الاميركي سيقول للرئيس ابو مازن: ان رئيس الحكومة الاسرائيلية اذا قدم شيئاً مهماً الآن للفلسطينيين ستسقط حكومته، وهذا سيؤدي إما الى تشكيل حكومة ضعيفة ايضاً أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، ستحمل نتنياهو واليمين الاكثر تطرفاً إلى سدة الحكم في اسرائيل، لذلك فإن تعامل الفلسطينيين مع اولمرت وحكومته الحالية، في نظر الاميركيين، يبقى افضل من ان يتعاملوا مع نتنياهو، والفلسطينيون الذين بعثروا أوراق القوة التي لديهم سيجدون في نهاية الأمر ان هذا الطرح الاميركي هو ورقتهم الوحيدة. ان استئناف المفاوضات من دون مرجعية ملزمة تستند إلى الشرعية الدولية، وبلا ضمانات دولية، أو آلية ملزمة، ولا جداول زمنية قصيرة، وحصرها في مفاوضات ثنائية بعيداً عن أي تدخل دولي باستثناء التدخل الاميركي المحسوب لصالح اسرائيل، وفي ظل الانقسام الفلسطيني، واستمرار اسرائيل في العدوان العسكري بكل اشكاله والمجازر اليومية والحصار الخانق لغزة، واستمرار التوسع الاستيطاني واستكمال بناء الجدار، وفي ظل الحصار والحواجز والاعتقالات، لا يفتح الطريق نحو السلام والأمن والاستقرار، وانما يدخلنا في مأزق ومتاهة جديدين، نعرف متى دخلنا فيها ولا نعرف كيف واين ومتى سنخرج منها؟ * كاتب فلسطيني