عندما أركب سيارتي عائداً الى بيتي أشعر بدوار معين ولكن قبل أن أهم بالنزول من السيارة ينتابني دافع قوي جداً للعودة الى الشارع الذي عبرته لأتأكد من أنني لم أدهس أحداً بسيارتي، وأحياناً أقوم بهذا العمل أكثر من مرة قبل أن أعود أدراجي الى مسكني. قبل الذهاب الى فراش النوم أتفحص النوافذ والأبواب مرات عدة لأضمن انها محكمة الإغلاق وأقوم بهذا العمل يومياً الى درجة ان أفراد عائلتي اصبحوا يصفونني بالمجنونة. أنا فتاة اشك دوماً في نظافة يدي فأعيد غسلهما مرات كثيرة بالماء والصابون الى درجة انهما اصيبتا بالتشقق. أنا امرأة في السابعة والعشرين من عمري، تسيطر علي فكرة ان يكون برازي وبولي مزعجين أو مؤذيين للآخرين، لذا أقوم بعد استعمال المرحاض بغسل نصف جسمي الأسفل من ثم أغسل مقعد المرحاض والجدران المحاذية له وبعدها أغسل يدي بقوة حتى تصبحان حمراوين من شدة التنظيف والغسل، وهذا الأمر افعله كلما دخلت الى المرحاض. أغسل ثياب عائلتي ثلاث أو أربع مرات لظني انها ما زالت متسخة وزوجي ساخط جداً مني لأن الثياب تهترئ بسرعة ولا يتردد في تعييري بالمجنونة. عندما أنظر الى شيء ما أحاول ان لا أسلط عيني عليه مرة ثانية، لكنْ هناك دافع داخلي يأمرني بالنظر اليه مرة ثانية وثالثة ورابعة. أنا امرأة متزوجة وعندي طفل واحد، اطلب من عائلتي عدم تركي وحيدة مع ابني لخوفي من تنفيذ الفكرة الجهنمية التي تراود مخيلتي وهي محاولة قتله. أنا شاب ارغب في الزواج لكنني أتهرب منه وأشعر دوما بالخوف والرهبة من الزواج والزوجة، وينتابني شعور بأنني سأفشل في ممارسة الجنس، لقد تأثرت نفسيتي ولا أعرف ماذا أفعل للتخلص من هذا الكابوس. أنا موظف أعمل في البنك، عندما أتسلم رزمة من الأوراق المالية أقوم بعدها مرات ومرات بسبب شكوكي المتكررة في ان تكون ناقصة. أتأكد دوماً من اقفال أنبوبة الغاز مرات عدة وانشغل بعد الدرجات والسلالم. هذه عينات من رسائل لأشخاص يعانون من الوسواس القهري او الاجباري. والوسواس القسري هو اضطراب نفسي عصبي سببه خلل كيماوي ناتج من نقص الناقل العصبي السيروتونين في المخ، ويمتاز هذا المرض بطغيان أفكار واندفاعات وخيالات مكررة لا يرغبها الشخص لكنها تأتي غصباً عنه حتى ولو حاول إبعادها، كما يقوم المبتلي بهذا المرض بأفعال قهرية رغماً عنه لأنها تخفف من حدة قلقه وهلعه، لكن هيهات أن يذهب القلق، إذ لا يلبث ان يعود مرغماً المريض على تكرار أفعال بصورة مبالغة تقود الى هدر الوقت والجهد والمال وربما الى أضرار جسدية عقب القيام بأفعال معينة. ان الوساوس التي تعشش في عقل المصاب تدور حول هواجس تتعلق بالتلوث والشك والجنس والفقد. فهاجس التلوث يدفع المريض الى المبالغة في الاغتسال أو تنظيف أوعية الطعام والشراب، أو الامتناع عن مصافحة الآخرين أو الذهاب الى المستشفيات خوفا من العدوى بالميكروبات. أما هاجس الشك فيجبر المصاب على التكرار والمراجعة والتدقيق مرات ومرات للتأكد من أمور معينة. وفي ما يتعلق بالهاجس الجنسي تدور في خلد المريض وساوس ذات طبيعة جنسية تثير قلقه أو قرفه من أمور لها علاقة بالحياة الجنسية. أما هاجس الفقد فيدفع الشخص الى الاحتفاظ بمقتنيات لا قيمة لها لفترات طويلة. وداء الوسواس ليس مرضاً حديث العهد بل عرف منذ القدم اذ ورد ذكره في كتابات الأطباء الإغريق. وفي العام 1838 استطاع الطبيب الفرنسي اسكوريل أن يعطي وصفاً دقيقاً له مع انه لم يطلق عليه الاسم المعروف حالياً. لقد ساد اعتقاد بين العاملين في الصحة النفسية بأن الوسواس القهري مرض نادر ولكن اتضح حديثاً انه منتشر نوعاً ما وانه يطاول الرجال والنساء على حد سواء، وتشير التقديرات العالمية الى وجود اكثر من مئة مليون شخص مصاب بمرض الوسواس، الذي يعد من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً بعد مرض الخمود النفسي. ما هي اسباب الوسواس القسري؟ الأسباب الحقيقية للوسواس القهري غير معروفة بالضبط، وقد ظلت نظرية الأرواح الشريرة هي السائدة حتى نهاية القرن التاسع عشر لتذهب هذه أدراج الرياح وتحل مكانها نظريات التحليل النفسي. وفي الوقت الحالي يرجح العلماء وجود خلل بيولوجي ربما يسهم في اشعاله الوراثة الى جانب صراعات وحوادث نفسية. كيف يعالج الوسواس؟ ان معظم المصابين بالوسواس لا يلتمسون العلاج لأنهم يشعرون بالحرج من سلوكياتهم وأفعالهم اللامنطقية، اضافة الى ان مشاكل نفسية أخرى قد تتواجد عند مريض الوسواس ما يجعل تشخيص هذا المرض امراً صعباً جداً. عدا هذا وذاك فإن أطباء كثيرين لا يقومون بتشخيص المرض بالطريقة الصحيحة، إما لعدم اكتراثهم أو لقلة إطلاعهم على آخر المستجدات. وتشير الإحصاءات في الولاياتالمتحدة الى أن مريض الوسواس ينتظر وسطياً تسع سنوات كاملة الى ان يتم تشخيص المرض في شكل صحيح وبالتالي المباشرة في العلاج. ان علاج الوسواس نوعان: العلاج الدوائي، والعلاج السلوكي، فالاثنان يجب أن يسيرا جنباً الى جنب للحصول على النتيجة المنتظرة. ان المزاوجة بين العلاجين الدوائي والسلوكي تعطي نتائج طيبة شرط ان يلتزم المصاب بمتابعة العلاج الى نهايته، اي على المريض أن يتحلى بالصبر ليصل الى مناله أي الشفاء من المرض. وفي الختام لا بد من الإشارة الى بعض النقاط المهمة المتعلقة بهذا المرض: - ان مريض الوسواس ليس مجنوناً كما يعتقد بعضهم لأن صاحبه يعي تماماً ما يقوم به من أفعال على عكس المصاب بالجنون الذي لا يدرك سلوكياته. - يشاهد مرض الوسواس القسري عند النساء والرجال وحتى الأطفال من مختلف الفئات والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية. - ان الوسواس ليس نتيجة ضعف في الشخصية كما يعتقد بعضهم، خصوصاً المشعوذين والدجالين. - ان كل شخص قد يتعرض في فترة ما من حياته لدرجة طفيفة من الوسواس القسري العابر الذي لا يترك آثاراً سلبية. - ان مرض الوسواس لا يشفى من تلقاء نفسه، واذا ترك من دون علاج فإن المرض سيظل ملازماً لصاحبه تتقاذفه الوساوس القديم منها والجديد. صحيح ان العلاج مؤلم في البداية، إلا ان تطبيقه بشكل سليم يقود حتماً الى طرد الوساوس والهواجس والأفعال القهرية التي تتلاشى تدريجاً. - ان الدواء الذي يوصف لعلاج الوسواس يلزمه أسابيع عدة لكي يظهر تأثيره الإيجابي على المريض، من هنا ضرورة ان يلتزم الأخير بالمثابرة في أخذ الدواء بحسب المدة التي يقررها الطبيب المعالج. - ان الفشل في علاج المرض بالطريقة الصحيحة يؤدي الى تفاقمه. - على الأهل أن يعرفوا طبيعة المرض وأن يتفهموا طريقة التعامل مع المريض كي لا يصل به المطاف الى حافة الهاوية ان لم يكن الهاوية.