منذ أن شاركت ليوناردو دي كابريو بطولة فيلم "الشاطئ" قبل بضع سنوات أصبحت تيلدا سوينتون الممثلة السينمائية والمسرحية البريطانية لامعة عالمياً، فوراء ملامحها الناعمة التي توحي بأنها لا تزال طالبة جامعية، تختبئ فنانة وزوجة وأم ذات إرادة حديدية تعرف ماذا تريد وكيف تحصل عليه. فقد حققت سوينتون نجاحاً مسرحياً كبيراً في بلدها إنكلترا على مدى السنوات العشر الماضية، دامجة أيضاً طوال هذه الفترة بين العمل فوق الخشبة وأمام الكاميرا ومؤدية بطولة مجموعة من الأفلام الممتازة فنياً التي حصدت جوائز دولية ولقيت تقدير النقاد أينما عرضت مثل"أورلاندو"وپ"الحب هو الشيطان"وپ"منطقة الحرب"وپ"كارافاجيو"وأخرى صورت قبل"الشاطئ"الذي جاء ربما دون مستوى الأفلام المذكورة من حيث النوعية، إلا أنه حاز على صيت جماهيري عريض بفضل أداء ليوناردو دي كابريو الدور الرئيسي فيه. وآخر أفلام سوينتون عنوانه"مايكل كليتون"وعرض في مهرجان دوفيل الفرنسي للسينما الأميركية في مطلع الشهر الجاري بعد تقديمه في مهرجان البندقية في الفترة نفسها. وتشارك سوينتون النجم الهوليوودي جورج كلوني بطولة الفيلم الذي يروي سيرة محامٍ شجاع ونزيه يكافح الفساد السائد في بعض المؤسسات الأميركية المالية الضخمة. ومن المعروف عن كلوني ميله الى الأدوار الخارقة للعادة والتي تدافع عن موقف سياسي واضح لا سيما ضد حكومة الولاياتالمتحدة الأميركية، وهذا موقف تتخذه أيضاً سوينتون منذ بداية ممارستها العمل الفني، الأمر الذي جعلها توافق من دون تردد على تولي البطولة النسائية في الفيلم المذكور. غير أنها تقدم عبر طريقتها في تمثيل دورها، الدليل القاطع على كونها تنتمي إلى فئة الممثلات البريطانيات القديرات اللاتي يجلبن أمام الكاميرا خبرتهن المسرحية فيحولن أي دور عادي إلى قطعة فنية. زارت تيلدا سوينتون باريس بصحبة كلوني، قبل انطلاق مهرجان دوفيل وبعده فالتقتها"الحياة"وحاورتها: أنت عائدة من مهرجان البندقية حيث عُرض فيلم"مايكل كليتون"بنجاح ملموس، وتستعدين لمهرجان دوفيل حيث سيعرض الفيلم ذاته من جديد أمام وزيرة الثقافة الفرنسية، فما شعورك تجاه مشاركتك في أحد الأعمال السينمائية المهمة للعام 2007؟ - أنني مسرورة جداً للاستقبال الحار الذي لقيه الفيلم في البندقية، وأتمنى أن يحصل الأمر نفسه لدى جمهور مهرجان دوفيل، وبطبيعة الحال راضية عنه إلى أبعد حد لأنه يطابق وجهة نظري الخاصة بضرورة إلتزام أي فنان تجاه قضايا سياسية واجتماعية معينة. وسيتأكد كل من يرى الفيلم، من ان جورج كلوني يختار أفلامه طبقاً لمبادئ معينة تقود حياته، كما يعرف المتفرج أنني أناصر هذه المبادئ ذاتها، إذ من الصعب التواجد في عمل من هذا النوع من طريق الصدفة البحتة، أو لمجرد كسب المال. يعبر كلوني بصراحة تامة عن موقفه المعارض للسياسة الأميركية الحالية، والفيلم يفضح بدوره تصرفات مؤسسات أميركية ضخمة، فهل أنت كمواطنة بريطانية تتخذين عن بعد، موقف كلوني في شأن سياسة بلده؟ - عن بعد أو عن قرب، أعتبر أن أي شخص يحق له التعبير عن موقفه تجاه سياسة دولة معينة. لقد بقيت فترة طويلة مثلاً، غير موافقة على سياسة بريطانيا. وقد بدأت في الفترة الأخيرة فقط أراقب كل ما يحدث في هذا الميدان بنظرة مختلفة بعض الشيء، وبأمل أن تتغير بعض الأمور مع الحكومة الجديدة. وأما عن السياسة الأميركية، فأنا بالفعل أشارك جورج كلوني اعتراضه الشديد عليها وأحبذ الأفلام التي تفضح كل ما يحدث هناك من تصرفات خاطئة بالنسبة الى دولة كهذه، وعلى سبيل المثال أذكر آخر أفلام السينمائي التسجيلي مايكل مور"سيكو"الذي يفضح السياسة الأميركية الخاصة بالعلاج الطبي وكلفته، بالمقارنة مع هذه السياسة نفسها في دول أوروبية لا سيما فرنسا التي تعتبر النموذج الأمثل في هذا الميدان. هل كنت تتمنين الحصول على وسام الشرف الذي حصل عليه كلوني مثلاً، في دوفيل؟ - لن أرفضه إذا منح لي في يوم ما، لكنني أدرك تماماً سبب منحه لكلوني فالرجل يدافع عن وجهات نظره السياسية والاجتماعية بشجاعة كبيرة من خلال أفلامه وذلك كممثل ومنتج ومخرج في بعض الأحيان، وعبر إلتزامه في نشاطات خيرية كثيرة، وأنا مسرورة من أجله وسأنتظر دوري من دون غيرة أو حسد من أي نوع. أنت بشهادة أكبر النقاد السينمائيين في مهرجان البندقية، أكثر من رائعة في فيلم"مايكل كليتون"، فكيف حصلت على هذا الدور الصعب؟ - كان مخرج الفيلم طوني غيلروي شاهدني في فيلم"منطقة الحرب"الذي جلب لي التقدير كممثلة أينما عرض، وفيه مثلت دور إمرأة معذبة بسبب خوفها على صغارها، وبما أن سيناريو فيلم"مايكل كليتون"تضمن الكثير من المواقف الدرامية الصعبة لا سيما بين تلك التي تعيشها الشخصية النسائية الرئيسية، تذكرني طوني وعرض علي مشاركة كلوني بطولة فيلمه. وأنا مدينة له ولكلوني بالكثير، لأنهما سعيا من أجل فرض اسمي على الشركة المنتجة، ذلك أن المنتج الأساسي كان يرغب في اختيار نجمة أميركية عالمية محددة ليضمن نجاح التوزيع الدولي في ما بعد. والشيء الذي لعب لمصلحتي هو اقتناء كلوني حصة من أسهم الفيلم، بمعنى أنه شارك في الإنتاج ولو في طريقة غير مباشرة، الأمر الذي سمح له بفرض وجهة نظره إلى حد ما، بالتالي الدفاع عن رغبات المخرج. هل تعرفين من كانت النجمة الأميركية التي اختارها المنتج أساساً؟ - نعم، جوليا روبرتس. الفيلم عرض في مهرجاني البندقية ودوفيل، وأنت رُشحت سابقاً في أكثر من مناسبة لجوائز دولية في التمثيل، وكثيراً ما يقال عن المرشحات بأنهن لا يحبذن حكاية التفرقة بين الفنانات وبأن لا ضرورة في الحقيقة للحكم على الممثلات في هذا الشكل، فما موقفك الشخصي أمام موضوع الجوائز؟ - أنا أفهم المقصود بكلامهن، والفنانة الفائزة في الحقيقة لا تقلل من قيمة الأخريات، فالعملية نسبية تماماً وتفيد أولاً في ترويج الأعمال الحاصلة على جوائز في التمثيل أو الإخراج لدى نزولها إلى الأسواق العالمية، فكم من فيلم عثر على توزيع في دول لم تكن مستعدة لإقتنائه لولا موضوع الجائزة. ويصعب علي تصديق أي فنانة فائزة تدعي أن الأمر لا يهمها وأن جائزة الأوسكار أو غيرها من الجوائز ليست سوى لحظة عابرة في مسيرتها الفنية. إن الجوائز تفتح أبواب المستقبل أمام صاحباتها وتسهل عليهن فرض شروطهن وحسن اختيار أدوارهن في ما بعد، وأنا لا أعرف فنانة لا تعنيها مثل هذه المزايا. أنتِ إذاً، وبحسب ما يتضح من كلامك، تخططين جيداً لمستقبلك، أليس كذلك؟ أنا لا أبني مشواري الفني بالتخطيط المسبق وحسب، وكثيراً ما أقبل الظهور في أعمال تجريبية لمخرجين مبتدئين لقاء أجر زهيد، وأفعل ذلك بهدف تشجيع هؤلاء وحتى يستفيدوا في أفلامهم من خبرتي السابقة، ولأنني أعجبت أساساً بالنص عند قراءة السيناريو. ولا تهمني اطلاقاً حكاية الأرباح لأنني لا أحكم على الناس من خلال طاقتهم التجارية، بل من خلال قدرتهم على إقناعي بأسلوبهم الفني وبالأفكار التي يسردونها في أعمالهم. أنت أم، فكيف تجمعين بين عملك والأمومة، وإلى أي مدى ساعدتك هذه الأخيرة في حسن تقمصك شخصية الأم التي تضحي بالكثير من أجل أولادها في أحد أجمل أفلامك وهو"الطرف العميق"؟ - أنا لا أسافر أو أتحرك كثيراً من دون أن يصطحبني أولادي الثلاثة بقدر المستطاع، وطالما أنهم إلى جواري أجد نفسي قادرة على الجمع بمهارة وسلاسة بين ممارسة عملي ورعايتهم. صحيح أن والدهم يرعاهم أيضاً بطبيعة الحال، فهو يبقى معهم إذا اضطررت شخصياً للغياب فترة طويلة من دون أن يكونوا معي مثلما حدث أثناء تصوير فيلم"الشاطئ"، فأنا سافرت إلى جزر بعيدة لمدة شهرين ولم يكن في إمكان الأولاد طبعاً أن يغيبوا عن المدرسة فترة طويلة كهذه، باستثناء الصغيرة التي كان عمرها سنتين فقط. وأعترف بأنني أشعر بالحزن إذا حرمت من رؤيتهم لأكثر من أسبوع، على رغم أنني أتحدث إليهم في كل مساء بالهاتف، وهذه الأمور من مساوئ المهنة الفنية. أما عن كون الأمومة ساعدتني في تقمص دوري في"الطرف العميق"وأيضاً في"منطقة الحرب"، فهو شيء واضح وبديهي، ولا شك في أنه كان من السهل علي تخيل تصرفي كأم في وضع معين بالمقارنة مع ممثلة غيري لم تعش تجربة الأمومة في حياتها الشخصية وتجد نفسها مضطرة إلى تصور مواقف مبنية على العلاقة بين صبي وأمه مثلاً. هل تفضلين العمل في المسرح أم في السينما؟ - انني مولعة بالعمل المسرحي منذ أيام دراستي الفنون الدرامية، وتخصصت أساساً في المسرح وأديت أجمل الأدوار الكلاسيكية وأكبرها مع فرقة شكسبير والفرقة الوطنية في لندن، قبل أن أعمل في السينما. لكنني فور تذوقي طعم التمثيل السينمائي أحببته بشدة أيضاً وأصبحت عاجزة عن التخلي عن أحد النشاطين لمصلحة الثاني. وأنا في النهاية أعشق التمثيل مهما كان لونه، وأعتقد بأن الفضل في ذلك يعود للمخرجين القديرين الذين يديرونني في المسرح والسينما، وأنا على عكس غيري من الزميلات الممثلات محظوظة جداً من هذه الناحية. من هن ممثلات المستقبل في رأيك بين زميلاتك من الجيل السينمائي الجديد؟ - سكارلت جوهانسون طبعاً، فهي موهوبة إلى حد كبير جداً ولا بد من أن يتعلم المتفرج كيف يقدرها بطريقة مختلفة عما يحدث الآن، وأقصد بكلامي هذا أن جمالها الفذ يحجب الرؤية في بعض الأحيان عن طاقتها الفنية. وثم هناك كيرا نايتلي البريطانية مثلي، وماغي جيلنهال التي ستنطلق قريباً كالصاروخ في سماء السينما، ذلك أن كل ما ينقصها هو الفيلم الشعبي الذي يسلط الضوء على موهبتها الكبيرة. وغير ذلك، فأنا شخصياً أنوي البقاء في الساحة فترة طويلة.