"احتشام ضد تفلّت" في مقابل "رجعية وتشدد ضد عصرية وحرية". عنوانان يستخدمهما فريقان يسعى كل منهما إلى الدفاع عن وجهة نظره. العنوان الأول تتبناه شريحة من المواطنين المسلمين المنتشرين حول العالم في الدفاع عن حجاب المرأة والدعوة إلى احتشامها وتقيدها بالتعاليم الإسلامية. أمّا العنوان الثاني فهو لفئة ثانية تنادي بضرورة الحد من المظاهر الدينية العلنية، وتدعو إلى تحرر المرأة من أي شيء"يُفرض عليها". حرب باردة بين قطبين، يتجهان في خطين متوازيين لا يلتقيان، يحاول كل منهما الحفاظ على"مكتسباته"، من دون السعي إلى التقرّب من الآخر أو إقناعه ب"وجهته". وعندما بلغا عالم الأطفال، وجدت الفئة الأولى أن في وسعها استثمار أفكارها في تربية النشء الجديد على أسس"صحيحة". وفي 2003، ظهرت"فلة"في الأسواق العربية. وهي لعبة تعكس المبادئ والتقاليد التي يرى مبتكرها منار طرابيشي أنه يجب على الفتاة العربية المسلمة أن تتربى عليها. ابتكرتْ فلّة العربية لنشر أفكار أصحابها، في مواجهة أفكار مبتكري"باربي"، نظيرتها الأميركية. وتُصنع فلّة في مصانع هونغ كونغ التي تصنع باربي. واللعبتان تتساويان في الطول وتتشابهان في المواصفات الجسدية. وأما اختلافهما فبأزياء تتخطّى الفوارق بينها الشكل الذي أراد مصنعو فلّة من خلاله تميزها عن"سلفها"الأميركية. وتطورت"باربي"منذ ابتكارها عام 1959 لتواكب العصر، ففي البداية كانت عارضة أزياء، وفي 1963 سيدة أعمال، فطبيبة وجرّاحة في 1973، وخبيرة رشاقة ثم رائدة فضاء في 1984. وتحوّلات باربي في شخصيات"معنوية"رافقتها تعديلات"مادية"على مظهرها وحلّتها، تعبيراً عن الشخصية وتلبية ل"متطلبات"كل شخصية. ومبتكرو"فلة" رأوا في المظهر الغربي النزعة ثغرة"تهدد"تربية الفتيات المسلمات. فثياب باربي"الفاضحة التي تكشف الكثير من جسدها الأنثوي المكتمل النمو، تنطبع في أذهان الفتيات الصغيرات. وقد يفضي ذلك إلى رفضهن ارتداء الثياب الإسلامية المخصصة للمرأة، وتالياً الحجاب. وهكذا ولدت فلّة، دمية سمراء ذات عينين بنّيتين، وأنف عربي، وحاجبين واضحين وشفتين داكنتين... لكي"تبقى عربية حتى لو خلعت العباءة"عنها. وتستيقظ فلّة فجراً، ترتب سريرها ثم تتوضأ وتصلي. وتبدأ نهارها بترتيب بيت أسرتها وتسقي الزهور، قبل الذهاب إلى مدرسة الحيّ القريبة. وعلى عكس"باربي"الشقراء السافرة والظاهرة المفاتن، جاءت فلّة محافظة محتشمة، مهما تغيّر شكلها. وترتدي النقاب الإسلامي التقليدي، وتُباع مع سجادة صلاة بلون زهري. وتوجد فلّة بثياب الصلاة، وثانية عصرية المظهر بالجينز والحجاب، وغيرهما شرق أوسطية وسورية ولبنانية. وكلّها محافظة ومؤدبة ومحتشمة حتى في سفورها داخل المنزل. وعلى غرار سابقاتها، للدمية العربية عالمها الجميل والمتنوع مع منتجات التجميل والرياضة والأدوات المنزلية والمكتبية. صديقتاها ندى وياسمين، ولا أصدقاء ذكوراً لديها، بينما لباربي أصدقاء مثل هادسون وساتون ... وكين الصديق الحميم. وتخرج فلّة برفقة أحد أخويها نور وبدر، في انتظار"تصنيع زوج يليق بها". فلة لم تكن المحاولة الأولى لإنتاج دمية عربية مسلمة، ترتدي الحجاب. فقد انزلت شركة"ماتل"مجموعة من الدمى تشمل باربي المغربية ودمية اطلقت عليها ليلى كانت تمثل جارية مسلمة في قصر الخلافة العثماني. وفي ايران كانت محلات الالعاب تبيع دمية محجبة اطلقت عليها اسم سارة. بينما سوقت شركة اميركية في ميشيغان دمية محجبة اطلقت عليها اسم رزان، تباع اساساً للمسلمين في الولاياتالمتحدة وبريطانيا.