فتح قيام طائرتين حربيتين للكيان الصهيوني بانتهاك الأجواء السورية، وإلقاء خزان وقود بالقرب من قرية"تل الأبيض"على الحدود السورية - التركية، الباب أمام كثير من التفسيرات والتقديرات. والحق أن الكيان الصهيوني يشعر بتراجع مكانته على الساحة الدولية. ويبدو أن الصهاينة يريدون القول للسوريين ان الإجراءات المتعددة الجوانب ضد دمشق بلغت طريقاً مسدوداً. فهم على استعداد للقيام بعمل منفرد. ومن ناحية أخرى، يريدون القول للمجتمع الدولي ان"ترك إسرائيل وحيدة في منطقة مملوءة بالأعداء"قد يدخل المنطقة في أزمة. ولكن هل الصهاينة، اليوم، في موقع يخولهم إشعال أزمة جديدة في المنطقة؟ فهم لا ريب يواجهون أزمة عميقة، بعد هزيمتهم في حرب الأيام ال33 مع"حزب الله"في لبنان: استقالات وإقالات متتالية لقادة عسكريين، والحكومة على حافة السقوط، وهوّة الثقة بين الجيش والحكومة من جهة، وبين الشعب والحكومة من جهة أخرى، الى اتساع. ولجأ الكيان الصهيوني الى أساليب كثيرة للخروج من هذه الأزمة. فعزز مواقع سياسيين قدامى مثل بيريز ونتانياهو. ومن هذا الباب أعلن رئيس الكيان الصهيوني الجديد، شيمون بيريز، في أثناء زيارته إيطاليا ان اسرائيل نحت سياسة الحوار مع سورية. وبعدها ب15 يوماً، تحديداً، انتهكت طائرتان حربيتان الأجواء السورية، وألقت بقذائفها في الأراضي السورية. ولكن التصرف الصهيوني المزدوج، عودة الجيل الأول وتهديد سورية، لا يمكنه إرجاع التاريخ الى الوراء. فلا يكفي أن تعود هذه الوجوه، أو أن تقلع طائرات السلاح الجوي الإسرائيلي لتحقق هذا الأمر. فالمطلوب لبعث قدرات الكيان الصهيوني تغيير أوضاع المنطقة. وهم يدركون جيداً أن الوضع الأمني بلبنان ومصر وسورية والأردن أفضل مما هو عليه في الكيان الصهيوني. فلبنان، بأجهزته الأمنية والقوى العسكرية المقاومة، يتفوق على الإسرائيليين. وسورية قادرة على الدمج بين قواتها المقاومة والقوات الإقليمية المقاومة، وأن تفرض تفوقها كذلك. وبناء على هذا، فإن عقارب الزمن لا يمكن أن تعود الى الأجيال السابقة. والأميركيون والإسرائيليون، والقوى المرتبطة بأميركا وإسرائيل، يحاولون منذ زمن فك"طلسم الشرق الأوسط". ويدخل الاعتداء الإسرائيلي على سورية في إطار هذا المسعى. وأميركا وصلت الى طريق مسدود. فصمود إيران ومقاومتها، ونظرة قائدها البعيدة، قلبت مغامرة العراق الى"أزمة معكوسة"بعد سنة من احتلاله، وأفهمت الأميركيين أنهم ارتكبوا خطأ كبيراً. فقرروا، بعدها، البدء بسورية. فهي حلقة الوصل بين إيرانولبنان وفلسطين وأفريقيا. اغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عملية تفجير يحتمل كثيراً أن يكون الصهاينة وراءها. والتمهيد الحقوقي الذي وفره تقرير المحقق الألماني، ميليس، ضد سورية، سمح لهم بالوصول الى الطريق الخلفية لقصر بشار الأسد. وكانت الأمور كلها تشير الى وشك القضاء على نظام الأسد في سورية. ولكن، بعد سنة، تغيرت الأوضاع. فأصاب الذهول الأميركيين. وأجبروا على دخول سورية بالطرق السلمية. ولقاء رايس بوزير الخارجية، وزيارة رئيسة الكونغرس الأميركي الى دمشق، يدخلان في هذا الإطار. وقبل ذلك، قرر الأميركيون اقتلاع"حزب الله". وأشعلوا حرباً إسرائيلية قاسية ضد لبنان استمرت 33 يوماً. ولكن نتيجة الحرب كانت في غير مصلحة الجبهة الأميركية. وبعد الهزيمة أمام"حزب الله"، ركزت أميركا على الملف النووي الإيراني، وأصدرت، في الأثناء، ثلاثة قرارات 1696 و1737 و1747 عن مجلس الأمن الدولي. وبات الجميع يتحدثون عن حرب على إيران. ولكن، بعد مرور سنة وحصول انشقاق في الجبهة الدولية، وصمود إيران، تراجعت سياستهم المعادية للبرنامج النووي الإيراني. فتقرير محمد البرادعي يثبت هزيمة السياسات الأميركية في مقابل إيران. ومرة أخرى اتجهت إسرائيل نحو سورية، قرينة على أنها تمر في حال من الاضطراب وخلل التقدير، وعلى أنها لا تعرف أن سورية التي لم تخف من حرب 33 يوماً، فكيف يمكن أن تعطي أهمية لهجوم جوي! والاعتداء العسكري على سورية يدل على وضع إقليمي آخر. فإذا توقفنا أمام الردود لرأينا أن معظم الدول العربية التزم الصمت. والاعتداء لم يكن أمراً بسيطاً. والعرب اتخذوا مواقف ظاهرة في أحوال أقل أهمية. وعليه، يبدو أن هناك تفاهماً باطناً بين تل أبيب وبعض العواصم العربية. وهو يشبه مواقفهم من حرب ال33 يوماً. فإذا كان في الأجواء تفاهم حول هذا الاعتداء، فضح أبعاد الموضوع، من جهة، وأشار الى عدم جدية الأمر، من جهة أخرى. ولعل الإسرائيليين حذروا العواصم العربية من أن عدم تأثر سورية بالتهديد العسكري الإسرائيلي رهن عدم تعاون الحكومات العربية مع دمشق. ويرى الصهاينة والأميركيون أن إشعال الأزمات هو علة دوامهم. فالأميركيون، في العراق، يسهمون في إشعال أزمته، لعل ذلك يساعدهم في قلب المعادلة. وأما مغامرة نهر البارد، وفضح دور تيار 14 آذار مارس التابع لأميركا فيها، فبرهان على أن أميركا لجأت، من أجل حل أزمتها في لبنان، الى بعث أزمات. وقد يكون في وسع هذه السياسات تعريض إيران وسورية لأخطار. وما لم نواجه الأخطار هذه، ونصمد بوجهها، فقد نواجه مخاطر أخرى، في حين أن التجربة الإيرانية أثبتت أن المقاومة هي سر النصر. عن سعدالله زارعي، "كيهان" الإيرانية، 9/9/2007