ينحني سيرجي زيموف ليغرف حفنة من الوحل اللزج ويقربها من أنفه... ان رائحتها تشبه روث البقر الا انه يعرف أكثر من ذلك عن هذه المادة. يقول"انها تشبه روث الماموث". ذلك أكثر من مجرد عرض من أعراض ارتفاع درجة حرارة كوكب الارض. لآلاف السنين ظلت طبقات من بقايا الحيوانات والمواد العضوية الاخرى التي تتخلف عن الكائنات الحية التي كانت تجوب مناطق التندرا في القطب الشمالي تتراكم وتختزن في المناطق دائمة الجليد. والآن ومع التغيرات المناخية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري تذوب طبقة الجليد الدائمة لتظهر مترسبات ما قبل التاريخ من مكامنها. الا ان العالم زيموف الذي يعكف منذ 30 سنة على درس التغيرات المناخية في المنطقة القطبية في روسيا يرى ان تعرض هذه المواد العضوية للهواء يسرع ارتفاع درجة حرارة الارض بدرجة أكبر من أكثر التوقعات تشاؤماً. وتقول نظريته انه مع تعرض المادة العضوية المتخلفة عن حيوان الماموث والحياة البرية الاخرى لحقبة ما قبل التاريخ، للجو، بعد ذوبان طبقة الجليد الدائمة فإن الميكروبات التي ظلت كامنة آلاف السنين ستنشط وتعود الى سابق حيويتها. ومن النتائج الثانوية لنشاطات التحليل التي ستقوم بها الميكروبات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وهما المعروفان بأثرهما السلبي في المناخ.ويقول زيموف ان النشاطات الحيوية للميكروبات ستنتج منها كميات هائلة من هذين الغازين. وفي ياكوتيا شمال شرقي سيبيريا فإن حزام الجليد الداعم الذي يحتوي على تربة ترجع الى عصر الماموث يغطي مساحة تعادل تقريباً مساحة فرنسا والمانيا مجتمعتين كما توجد مساحات كبيرة أخرى من هذه الطبقات في أصقاع سيبيريا. ويقول زيموف "ان مترسبات المادة العضوية في هذه التربة هائلة الى درجة أنها تفوق المخزون العالمي من النفط". وتشير الإحصاءات الحكومية الاميركية الى ان النشاطات البشرية في العالم تنبعث منها 7 بلايين طن من الكربون سنوياً. ويضيف زيموف "تحتجز مناطق الجليد الدائمة 500 مليون طن من الكربون الذي يمكن ان يتحول سريعاً الى غازات الاحتباس الحراري. وإذا لم يتوقف انطلاق الانبعاثات الغازية الخاصة بالاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. فإن بروتوكول كيوتو، وهو الاتفاق العالمي الذي يهدف الى خفض غازات الاحتباس الحراري سينظر اليه باعتباره ثرثرة طفولية". وكان تقرير للامم المتحدة صدر في حزيران يونيو الماضي أفاد انه لم تبدر اي اشارة حتى الآن إلى ذوبان طبقة الجليد الدائمة بدرجة كبيرة ما يؤثر في ارتفاع حرارة الارض الا ان التقرير لمح الى ان هذا يمثل خطراً محتملاً. وقال التقرير "تقوم طبقة الجليد الدائمة بتخزين الكثير من الكربون مع احتواء الطبقات العليا على تقديرات من الكربون العضوية اكثر مما هو موجود في الغلاف الجوي". وزيموف هو أكبر عالم في المحطة العلمية الشمالية الشرقية النائية التابعة للاكاديمية الروسية للعلوم.