حركة ديبلوماسية، دولية وعربية، في اتجاه بيروت. وتصريحات كثيرة تصدر من عواصم الدول الفاعلة. كلها تؤكد ضرورة الحوار بين طرفي النزاع في لبنان، من أجل ضمان انتخاب رئيس جديد في الموعد الدستوري. وتشجع الساعون الى تنشيط الحوار والوسطاء بمبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وبرد قوى 14 آذار عليه. خصوصا لجهة تأكيد الطرفين تمسكهما بالحوار. لكن هذا الحوار لم يحصل. وقليلون يراهنون على حصوله قريبا، مع اقتراب تاريخ دعوة بري الى جلسة انتخابية بعد أقل من عشرة ايام. وفي ظل هذا الاستنتاج العام، تركز المساعي، الخارجية والداخلية، على إبقاء ابواب الحوار مفتوحة. لكن مجرد إبقاء هذه الابواب مفتوحة لا يدفع التسوية الى أمام. فالنسمة التي ستعبر هذه الأبواب لم تهب بعد. مبادرة بري التي تحولت مبادرة للمعارضة ليست مبادرة سياسية، رغم إطلاقها في إطار تحليل سياسي. فكرتها تقوم على ضرورة ان توافق قوى 14 آذار، وهي التي تتمتع بأكثرية نيابية، على انتخاب رئيس بثلثي اعضاء المجلس. اي انها مبادرة تفسيرية للدستور. وهي، في هذا المعنى، تجتهد في وضع آلية دستورية. وعلى الأكثرية النيابية ان توافق سلفا على هذا التفسير، وإلا سيحصل"شر مستطير". ونوهت غالبية، في لبنان والخارج، بانفتاح بري على حوار. لكن هذا الحوار ينتهي فور موافقة الأكثرية عليه. إذ يحرمها من كونها أكثرية، ويعطي للمعارضة حق اختيار الرئيس لأنها تملك مفتاح النصاب الذي حددته المبادرة. وحتى لو وافقت الاكثرية على هذه الآلية، ووافقت على نصاب الثلثين، فهي قادرة على تعطيل هذا النصاب في حال لم تؤيد المرشح التوافقي. وتاليا لا يكون الحوار حقق غرضه، اي انتخاب رئيس جديد يخلف الحالي في الموعد الدستوري في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. المبادرة ايضا لا تتطرق الى الآلية الدستورية، في حال الفشل في التوافق على رئيس، قبل عشرة ايام من انتهاء ولاية الحالي. فهل اجتماع المجلس الحالي"حكما"للانتخاب يعني ايضا نصاب الثلثين؟ ام أنه يلزم جميع النواب، دستوريا، بحضور الجلسة، وفي حال الغياب يكونون أخلّوا بواجب أساسي تفرضه عليهم ولايتهم النيابية، فتسقط عنهم صفتهم النيابية؟ هذه الاسئلة لم تطرحها الاكثرية في بيان الرد على المبادرة. لكنها جاءت ضمنية، خصوصا لتشديدها على معنى الاستحقاق وضرورة إجرائه. لكنها تحدثت عن البرنامج السياسي، في ظل الرئيس المقبل. هذا البرنامج الذي كان سببا لخروج وزراء المعارضة من الحكومة الحالية. لقد وضعت الاكثرية القرارات الدولية ومقررات الحوار في مقدم هذا البرنامج. تتعلق القرارات الدولية بالسلاح غير الشرعي والوجود السوري وضبط الامن في الجنوب على الحدود مع اسرائيل وبتشكيل محكمة دولية لمقاضاة المتهمين بالجرائم السياسية في لبنان. ومقررات الحوار تتعلق بالسلاح الفلسطيني والعلاقة مع سورية وترسيم الحدود. وفهمت المعارضة من هذا البرنامج انه يستهدف سلاح المقاومة واستمرار العداء لسورية، وتاليا رفضا للحوار بتحريض اميركي. ومع المبادرة والرد عليها، وفي التعامل مع التفسيرات الدستورية وموجبات كل من السلطات الثلاث، ثمة مأزق يرتبط بين قدرة 14 آذار على ترجمة كونها اكثرية حكومية، وبين المعارضة غير القادرة على تجاوز كونها اقلية. وهذا ما عبر عنه بتبسيط زعيم التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون، عندما اعتبر ان القوي على الارض يتسلم السلطة في حال عدم التوصل الى انتخاب رئيس جديد. فلا يعود للدستور وآلياته، مهما كان الاجتهاد في تفسيرها، إلا معنى ملاءمته مع المصلحة السياسية الخاصة. لم يبدأ الحوار بعد. لأن أياً من الصيغتين المطروحتين يعتبره الطرف الآخر الغاء له. فلا الصيغة الدستورية التي يعرضها بري تبقي حق الاكثرية في ان تكون اكثرية. ولا البرنامج السياسي للاكثرية يبقي معنى لبقاء المعارضة معارضة.