بين مَلَلين، تتأرجح عودة كثر من التلامذة اليمنيين الى المدرسة. فلا شيء ذا بال يُحزن تركه أو يشجع على الذهاب إليه. غير أن أنس عبدالله يعود هذه السنة وفي ذهنه ذكرى طيبة عن الإجازة، وهي عرس ابن عمته الذي يعتبره طالب الصف الثامن، في مدرسة الشروق الأساسية، الحدث"الأبرز"بين النشاطات التي مارسها خلال شهور الإجازة. فالمناسبة السعيدة أتاحت له الانتقال من حي شميلة جنوب العاصمة صنعاء، حيث يقع منزله إلى حي مذبح شمالها. وأحدثت المناسبة تغييراً، كما يقول الصغير، وهو يهزّ رأسه حسرة، كسر طوق الملل الذي غشى أيامه بعيداً من المدرسة. وتركت أجواء العرس في نفسه أثراً طيباً. عدا عن ذلك، أمضى أنس أيام إجازته يتنقّل برتابة بين مشاهدة التلفزيون صباحاً ولعب الكرة بعد الظهر، ومرافقة شقيقه الأكبر إلى السوق أحياناً... وكلها أمور كان يفعلها أيام الدراسة. نحو ستة ملايين تلميذ وتلميذة يعودون إلى مقاعد الدرس، يعتريهم الشعور القديم نفسه مذ أصبحوا تلاميذ. فمع نهاية كل عام دراسي، ينظر معظمهم إلى الإجازة بلهفة واشتياق، ليكتشف سريعاً أنه كالمستجير بالرمضاء من النار. ولا مبالاة المجتمع فاقمت هذا الشعور لديهم، فهناك أسر يمنية كثيرة لا تولي أهمية لإجازة الأبناء، كما تقول الأستاذة في المعهد العالي لإعداد المعلّمين في صنعاء، نادية مرعي. ولذا يُترك أولاد كثيرون للشارع يلعبون فيه، وقلما تسعى الأسرة إلى قضاء العطلة من خلال برامج ممتعة ومفيدة. وكأن التلاميذ، كما تتصوّر مرعي، عبء تتقاذفه المدارس والأهل. فالمدرسون يجدون في الإجازة الصيفية خلاصاً من التلاميذ، بينما تتنفّس الأسر الصعداء مع بداية كل عام دراسي. وإضافة إلى تدني الوعي بأهمية الإجازة، تشير مرعي إلى جفاف النظام التعليمي وخلوه مما يشوق الصغار ويجذبهم إلى المدرسة. وتقارن هذا الوضع التربوي وتردّيه عمّا كان عليه، بالتحول العمراني الذي أصاب العاصمة. فصنعاء القديمة كانت تملؤها المتنفسات والباحات التي تخصّص للعب واللهو والشرود، بينما حال المدينة الجديدة أزقة مكتظة بالناس، وطافحة بالقاذورات وشوارع مغبرّة... لا مكان فيها لخيال طفل يسرح. ويرى احمد شاهر في شارع الستين، وهو الأوسع بين شوارع العاصمة،"خطر الموت، لا سيما للصغار"، نظراً إلى كثرة الحوادث التي تقع على طوله. وزادت غزارة الأمطار هذا الصيف وتواصلها في شكل شبه يومي، الطين بلّةً، فتقلّص جداً عدد الأسر التي نظمت رحلات لأبنائها إلى الحدائق العامة، المتبقّية، خصوصاً يومي الخميس والجمعة. وأما بقع المياه التي خلّفتها الأمطار وحوّلت أجزاء من المدينة بركاً راكدة ومرتعاً جديداً للعب واللهو، فكشفت العيوب في تخطيط البنية التحتية. ويظهر أن تقطع السبل أمام الصغار للاستفادة من إجازتهم الطويلة، لا يرتبط بطبيعة الظروف الصعبة التي يعانيها معظم الأسر اليمنية وضيق الفرص التي يوفرها الفضاء العام للترفيه فحسب، بل أيضاً بطبيعة المزاج العام والعادات السائدة. وإذا سنحت الفرصة للأبناء والبنات في أسر ميسورة لأخذ دورات في اللغات والموسيقى... على ما هي حال هند الطالبة الثانوية، تبقى التسالي والنشاطات الصيفية المتاحة بعد الشارع، هي ألعاب الفيديو وقيادة الدراجات الهوائية والنارية الصغيرة. وهذه الأخيرة مولع بها مفيد 14 سنة الذي يواظب على استئجارها في الساحة التابعة لسوق الحصبة. وأخيراً، هناك الألعاب الإلكترونية المتوافرة في مقاهي الإنترنت، وهي تجتذب عدداً كبيراً من الأطفال، خصوصاً الألعاب القتالية. ويقضي الصغيران بدر ومحمد معظم وقتهما في مقهى الإنترنت الذي يملكه والدهما، قرب مطعم كانتاكي في صنعاء. وفضلاً عن مساعدة شقيقهما الأكبر في إدارة شبكة المقهى وتحصيل النقود من الزبائن، يمضي الصغيران وقتاً في تصفح مواقع الألعاب عبر الانترنت، وأحياناً يرشدان الزبائن إلى ألعاب جديدة. ومع أن الصغار ينجذب بعضهم إلى بعض، ويفضّلون الابتعاد عن أجواء الكبار، عادة، كثيرون منهم يميلون إلى مجالسة الكبار، وهو أمر مستغرب. هاني 13 سنة، على سبيل المثال، يقضي معظم إجازته في"مقايل"القات في منازل أقاربه، وفي محل شقيقه. وأحياناً، يتولى مهمة إيصال جدته إلى عند الأقارب. ويحصل هاني ممن يلتقيهم في المقايل على بعض القات، ما دعا والدته إلى تحذير"المخزّنين"من تشجيع ولدها على تعاطي القات. وترى نادية مرعي أن في إمكان الجهات الرسمية والأهلية أن تضافر جهودها لتنظيم نشاطات صيفية هادفة ومفيدة تبعد الأطفال عن الرتابة والملل والفراغ، لافتة إلى تجارب شعوب ومجتمعات أخرى في عطلة الصغار. والواضح أن التعاطي بإيجابية مع إجازة التلاميذ وحملها على محمل الجد، يعود بالفائدة على حال المنظومة التعليمية. فراهن المدرسة منفّر، ولو كان شراء حقائب وكراسات جديدة يجلب بعض الفرح للصغار في الأيام الأولى للمدرسة. إلا أن نظرة غالبية التلاميذ الى المدرسة والإجازة الصيفية تبدو أشبه بحال"لاتشيلوني ولا تطرحوني"، على ما تقول أغنية شعبية يمنية. يبقى أن التلميذات هن الأكثر اشتياقا وحنيناً إلى المدرسة، بسبب الأعباء المنزلية التي تلقى على الصغيرات اللواتي لا ينعمن بالمشاوير ولا بالنشاطات... أثناء العطلة، كما تقول مرعي.