يختلف وضع روسيا، اليوم، عما كان عليه في عهد الاتحاد السوفياتي. وتقتصر مساحة روسيا، اليوم، على 17 مليون كلم2. ولا يتجاوز عدد سكانها ال143 مليون نسمة. ويتوقع خبراء الديموغرافيا علم السكان ان ينخفض عدد سكان روسيا انخفاضاً سريعاً، وأن يبلغ 125 مليون نسمة في 2025، و100 مليون نسمة في 2050. ولا شك في ان روسيا قد تضطر الى استقبال موجات كبيرة من النازحين لزيادة عدد سكانها. ومن المتوقع ان يتحدر المهاجرون الى روسيا من الشرق الاقصى والصين وكوريا، ومن مختلف بلدان آسيا الوسطى. ولا ريب في ان ثقافة معاداة الاجنبي الرائجة بروسيا تعوق اندماج المهاجرين المسلمين فيها، وقد تؤدي الى اندلاع منازعات كبيرة في محيط منطقتي الاورال وبحيرة بايكال. فهل يعوض النمو الاقتصادي والقوة السياسية - العسكرية خسارة روسيا أراضي الاتحاد السوفياتي، ويبعثان نفوذها وهيبتها في الساحة الدولية؟ فبحسب الإحصاءات الصادرة في آذار مارس 2007، لا يزال الناتج المحلي القومي الروسي، وبلغ نموه 7 في المئة في العام الجاري، مرتفعاً، شأن الإنتاج الصناعي. وفي العام الماضي، بلغت قيمة الفائض التجاري نحو 134 بليون دولار. ولا تزال معدلات التضخم المالي مرتفعة بروسيا، على رغم انخفاضها من 10،6 في المئة، في 2006، الى 7،1 في المئة، في 2007. ومعدل البطالة أدنى معدل بطالة في البلدان الشيوعية سابقاً. فالاقتصاد الروسي تجاوز أزمة 1998 الكبيرة. وعلى رغم هذا النمو، يشكو الاقتصاد الروسي نقاط ضعف كثيرة منها: - ضآلة الاستثمارات في مجال البنية التحتية وقطاع الطاقة. وينظر المستثمرون الأجانب بعين القلق الى سيطرة الشركات الحكومية على المواد الاولية، وخصوصاً على الغاز والنفط، ويستهجنون الملاحقات الضريبية والقضائية الاستفزازية. - هرب رؤوس الأموال، واستثمارها في الخارج، عوض الداخل. - اتساع هوة التفاوت بين الفقراء الروس والأغنياء، بعد أفول دولة الرعاية. - تدخل الدولة في الأسواق، وتعاظم الفساد. - هجرة الأدمغة الشابة الى الغرب. - نضوب احتياطات الطاقة. وحصة النفط والغاز راجحة في كفة الصادرات الروسية. ولا شك في ان صادرات روسيا النفطية هي، اليوم، أبرز أسلحتها. فسلاح الطاقة هو نظير الصواريخ السوفياتية في النصف الثاني من القرن المنصرم. وإذا عجزت روسيا عن تصنيع سلع قيمها المضافة مرتفعة، تخلفت عن اللحاق بركب الدول الصناعية المتطورة. وقد يكون في مستطاع النظام الروسي السلطوي، مواجهة التحديات الديموغرافية والاقتصادية. ويحتكر بوتين ومحازبوه السلطة بروسيا. فالتعددية السياسية مفقودة في هذا البلد، وتفتقر الأحزاب الديموقراطية والليبرالية الى الصدقية. والروس يحملون هذه الاحزاب مسؤولية المآسي التي حلت بهم غداة انهيار الاتحاد السوفياتي. ويتصور هذا الانهيار في صورة"أشد كارثة وقعت في القرن العشرين"، بحسب بوتين. ويؤيد الروس مساعي رئيسهم في بعث نفوذ بلادهم العالمي. ويضع النظام الروسي قطاعي التسلح وصناعة الأسلحة في صدارة اهتماماته، ويريد المحافظة على مكانته قوةً عسكرية كبرى. والحق ان القومية تطغى على الفيديرالية الروسية. فالعنصرية ومعاداة الأجانب رائجتان في صفوف الشباب الموالين لبوتين، وفي صفوف حزب"ناشي"، وهو يشبه الميليشيات الفاشية الجديدة. وتهمل الكنيسة الأرثوذكسية الدعوة الى التزام الديموقراطية والليبرالية، وتدافع عن"القيم الروسية". ويبدو أن الكرملين يخشى نشوء حركة شعبية"برتقالية"نسبة الى"الانتفاضة البرتقالية"الشعبية الأوكرانية. والأرجح أن هذا أمر مستبعد. فبوادر أزمة اقتصادية - مالية، وهذه من شروط التظاهرات الشعبية، لا تلوح في الأفق. وهذه حال روسيا التي علينا معايشتها، والعمل والتفاوض معها، والتعاون. ولكن الغرب فشل، في الأعوام الماضية، في توطيد علاقاته بروسيا. فالروس على يقين من أن الغرب، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، يسعى الى إذلالهم، والتضييق عليهم، وحملهم على الاستسلام، في حين يتهم الغرب الروس بالسعي الى استعادة إمبراطوريتهم المفقودة. عن هنري فرومون - موريس، "كومونتير" الفرنسية، صيف 2007