تراجع أسعار النفط مع ارتفاع الدولار في ظل تقدم ترامب في انتخابات الأمريكية    استشهاد عشرة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    خطرات حول النظرة الشرعية    روسيا تنفي تدخلها في الانتخابات.. إخلاء مراكز اقتراع في 4 ولايات أمريكية    وزير الحرس الوطني يصل جمهورية كوريا في زيارة رسمية    وزير الحرس الوطني يحضر عرضاً عسكرياً لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الوطني الكورية    ترمب يتحدث عن وجود تزوير في فيلادلفيا.. والمدعي العام ينفي    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    ازدهار متجدد    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    «مطار القدّيّة»    تبكي الأطلال صارن خارباتي    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    همسات في آذان بعض الأزواج    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غالبية أنهار المشرق العربي تفتقد اتفاقات واضحة بين الدول المستفيدة منها . تركيا وإيران تمنعان توزيعاً عادلاً لمياه نهري دجلة والفرات
نشر في الحياة يوم 23 - 08 - 2007

قبل عرض كتاب "النهر الدولي - المفهوم والواقع في بعض أنهار المشرق العربي" للدكتور صبحي أحمد زهير العادلي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، نلاحظ انه الى الآن لم يتم الالتزام الدقيق والنهائي باتفاقات واضحة تتعلق بمياه الأنهار في منطقة المشرق العربي، أي ما يتعلق بأنهار الفرات ودجلة والعاصي وفروعها، لا لأن ذلك متعذر بالنسبة الى القانون الدولي والاتفاقات الدولية، او انه لا يوجد ما يمكنه ان ينظم مياه تلك الأنهار وفروعها، بل يعود الأمر الى ملابسات علاقات الدول والى اعتبارات استراتيجية وسياسية تعطل التعامل الأمثل بين دول المنبع ودول المجرى والمصب، وها هي سورية والعراق تتخوفان من مشاريع المياه والطاقة التركية والإيرانية على نهري الفرات ودجلة وفروعهما. ووصل الأمر الى أزمات حقيقية في ما يتعلق بتدفق المياه وكمياتها ونوعياتها وجريانها والسدود والتربة والطاقة وغير ذلك. كما حدث في عام 1990 عندما حجزت تركيا مياه نهر الفرات - نسبياً - عن سورية والعراق وذلك في الفترة من 13/1 وحتى 13/2/1990 وذلك لملء خزان سد أتاتورك في تركيا، وذلك يعود الى اسباب تتعلق بأخطاء فنية في جسم السد لا يمكن تلافيها إلا بإغلاق جريان نهر الفرات. علماً ان الاخطاء الفنية في جسم السد كانت مشخصة منذ 1983.
فصّل الباحث في فصول كتابه الاربعة، 1- المفاهيم الخاصة بالنهر الدولي 2- الوضع القانوني الراهن للأنهار الدولية 3- مدى انطباق القواعد الدولية على نهر الفرات 4- مدى انطباق القواعد الدولية على أنهار دجلة والعاصي والكبير الجنوبي.
واستعرض الباحث في موضوع النهر الدولي، المراحل والمفاهيم المتعلقة بالنهر ومواصفاته تاريخياً، وما توصل اليه قانون المياه الدولي في النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية الذي استند الى المعاهدات العامة والخاصة، والعُرف الدولي والمبادئ العامة لذلك القانون والأحكام القضائية والفقه الدولي. وتم تلخيص ما اتفق عليه عبر المراحل الزمنية المختلفة ان النهر الدولي هو نهر يخترق بمجراه او بمصادره من المياه الجوفية، دولتين او دولاً عدة، سواء بالتتالي أم بالمشاطأة. وهذا ما ينطبق على الأنهار التالية: الفرات ودجلة والعاصي والنهر الكبير الجنوبي وفروعها.
ومن بين المبادئ التي تم الاتفاق عليها عالمياً:
1- التقسيم العادل والمنصف للموارد المائية المشتركة، على اساس مراعاة الحاجات الاجتماعية والاقتصادية لدول حوض المجرى المائي الدولي، والطبيعة الجغرافية للحوض واستعمالاته القديمة والمستجدة.
2- التعاون بين دول المجرى المائي، في سبيل تنمية وحماية الموارد المائية المشتركة وترشيد استخدامها لمصلحة دول المجرى جميعاً.
3- الالتزام بعدم إحداث ضرر ملموس، عند ممارسة الدولة الحوضية حقوقها المتفرعة من سيادتها ? دول المجرى الاعلى على سبيل المثال - على جزء المجرى المائي الواقع في اقليمها.
4- الالتزام بالتشاور والتفاوض عند الشروع في أشغال هندسية، والالتزام بإخطار دول المجرى الأخرى بحقيقة هذه المشروعات وتأثيراتها في مستوى تدفق مياه المجرى.
إلا ان تركيا - دولة المنبع بالنسبة الى نهري الفرات ودجلة والمصب بالنسبة الى نهر العاصي بعد احتلال تركيا لواء الاسكندرون عام 1939، بعد ان كان تابعاً لسورية. وإيران دولة منبع، الى حد ما، بالنسبة الى فروع نهر دجلة النابعة من أراضيها، وأهمها وأشهرها نهر قارون. ولكل من الدولتين وجهة نظر مختلفة، فوجهة النظر التركية تعتبر مياه نهري دجلة والفرات عابرة للحدود، فلا تنطبق عليهما تعريفات الأنهار الدولية، وبذلك فإن مياه النهر خاضعة حصراً للسيادة التركية الى حين وصولها الى الحدود. وتعتبر تركيا ان النهر الدولي هو النهر الذي يرسم حدوداً بين دولتين متشاطئتين، وبالتالي- بحسب هذا الرأي - لا يصبح نهر الفرات نهراً دولياً إلا حين ينضم الى دجلة في الاراضي العراقية، ليشكل شط العرب الذي يحدد الحدود العراقية - الايرانية. توكيداً للآراء التركية في هذا المجال، فإن الرئيس التركي الاسبق سليمان ديميريل ذكر في تصريح مشهور:"اذا كانت الثروة الطبيعية في بلدنا، فلنا الحق في استعمالها بالطريقة التي نراها مناسبة. ان المياه تنبع في تركيا ولا يمكن لدول المجرى الأدنى ان تعلمنا كيفية استعمال ثرواتنا. هناك منابع نفط في كثير من البلدان العربية، ونحن لا نتدخل في كيفية استعمالها".
دولي أم عابر للحدود؟
إلا ان لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة ذكرت في تقرير لها"في ما يتعلق بالاقتراح الداعي الى استخدام مصطلح"المياه العابرة للحدود"بسبب استخدامه في اتفاقية معقودة أخيراً فتلك مسألة صياغة ولا يوجد اختلاف جوهري بينه وبين المجرى المائي الدولي، ولا يترتب على استعمال هذا التعبير او ذاك أية آثار قانونية.
وبالنسبة الى إيران فقد لجأت الى تحويل اغلب الروافد المائية التي تغذي نهر دجلة في الأراضي العراقية نحو أراضيها، مما خفض المياه المتدفقة باتجاه الأراضي العراقية، وأساء الى نوعية المياه التي ما زالت متدفقة.
والغريب ان تركيا في ما يتعلق بالأنهار المشتركة والتعاقبية والمشاطئة بينها وبين دول أخرى غير عربية، عقدت اتفاقات راعت فيها القانون الدولي وحيثياته في ما يتعلق بالنهر الدولي. وذكر الباحث:"إن تركيا نفسها اعترفت في اكثر من معاهدة، ان النهر التعاقبي هو نهر دولي تنطبق عليه القواعد القانونية الدولية الخاصة بالأنهار الدولية، كما انها لا تعامل موضوع المياه الدولية المشتركة مع بقية دول الجوار المعاملة ذاتها التي تعاملها لسورية والعراق. ومعاهدات تركيا مع جوارها غير العربي خير شاهد على ذلك. اذ عقدت اتفاقية في ما يتعلق بأنهار مشتركة بينها وبين بلغاريا واليونان والاتحاد السوفياتي السابق".
وما زالت تركيا تسعى الى انشاء المزيد من السدود على نهري دجلة والفرات وفروعهما، آخرها سد"أليسو"على نهر دجلة، بعد ان انتهت من انشاء عشرات السدود على الفرات ? مشروع الGap -. وحتى نسبة ال500 م في الثانية التي اتفق على تمريرها في عام 1987 الى سورية من مياه نهر الفرات، فإنها نسبة غير كافية، ولا تلبي الاحتياجات السورية، كونها تحصل على نسبة 42 في المئة من تلك المياه، فيما تحيل البقية من هذه النسبة الى العراق بموجب اتفاق عام 1989 بينهما.
ويفصّل المؤلف الكلام على نهري الفرات ودجلة وفروعهما وروافدهما، ونسبة جريانهما في تركيا وإيران وسورية والعراق:
يتشكل نهر الفرات من التقاء نهري فرات صو وقره صو في حوض ملطية في هضبة أرمينيا التركية شمال مدينة كيبان بحوالى عشرة كيلومترات، ويبلغ طوله 2880 كلم، موزعة على البلدان الثلاثة كالآتي: 1000 كلم في تركيا، و675 - 680 كلم في سورية - بسبب التعاريج - و1200 كلم في العراق. أما مساحة الحوض الصباب فتبلغ 444000 كلم2 تقريباً، وتتوزع كالآتي: 121000 كلم2 في تركيا، 73000 كلم2 في سورية، و20500 كلم2 في العراق، وهناك 45000 كلم2 في المملكة العربية السعودية، نظراً الى مساهمتها بالحوض المائي الجوفي. وهذا يُرتب تأثيرات معينة في مياه الحوض - حتى الجوفية منها - إذا قل الدفق المائي في مجاري النهر، وينحصر حقها في استثمار المياه الجوفية المتجددة من مياه النهر فقط.
وبحسب الباحث لا وجود - حتى الآن - لمعاهدة تُنظم المشاركة في مياه الفرات أو الاستغلال المشترك، إلا أن هناك اتفاقات ترسي مبادئ عامة وتشدد على حقوق بلدان أسفل النهر في المياه الداخلة الى أراضيها.
وفي ما يتعلق بنهر دجلة، فإنه ينبع من هضبة أرمينيا التركية من منطقة تسمى صو، وبالتحديد من جبال قاراغلان، ويبلغ طوله 1899 كلم، منها 44 كلم في سورية، و1415 كلم في العراق، ودول مجراه هي تركيا وسورية والعراق، وإيران أيضاً التي تساهم الروافد الغزيرة النابعة من أراضيها بكميات كبيرة من مياه النهر.
وذكر الباحث في ما يتعلق بمياه نهر دجلة:"إن تركيا تعتبر مياه دجلة مياهاً وطنية عابرة للحدود، ولها حق السيادة المطلقة على مياهه، وأن ما تمرره من مياه الى كل من سورية والعراق هو تضحية منها وليس واجباً، وأن حوضي دجلة والفرات يشكلان حوضاً واحداً، وترفض مبدأ القسمة أو توزيع المياه.
والموقف الإيراني شبيه بالتركي، إذ تقوم إيران بتحويل معظم الروافد المائية التي تغذي نهر دجلة، مما يُخفض المياه المتدفقة باتجاه الأراضي العراقية ويسيء الى نوعية المياه ويزيد من نسب التلوث".
أما الجانبان السوري والعراقي فيؤكدان على دولية مياه النهرين وعلى ضرورة تحديد الوارد المائي الطبيعي، وضرورة توزيع المياه على أسس عادلة ومُنصفة، مع التوكيد على أن حوضي دجلة والفرات منفصلان، استناداً الى القانون الدولي للمياه، والى المعاهدات المشابهة بين الدول.
* أما نهر العاصي الذي ينبع من الأراضي اللبنانية ليجري في سورية ويصب في لواء الاسكندرون في تركيا، فإن طوله 571 كلم، منها 53 كلم داخل الأراضي اللبنانية و366 - 417 كلم في سورية، بسبب التعاريج، إضافة الى 45 كلم في الاسكندرون. وتتجاوز مساحة حوض العاصي 23000 كلم2، منها 8001 كلم2 في لبنان، و13800 كلم2 في سورية، والبقية في لواء الاسكندرون.
هناك اتفاقية دولية لتقاسم مياه العاصي بين لبنان وسورية هي اتفاقية عام 1994، التي عدلت عام 2002. والمشكلة - بحسب الباحث -"ان تركيا بحكم ضمها غير الشرعي للواء الاسكندرون أصبحت المهيمنة على المجرى الأدنى لنهر العاصي ولكونها دولة احتلال، فإن ذلك لا يكسبها أية شرعية قانونية وهي تلعب بورقة العاصي للحصول على اعتراف سوري بشرعية ضمها الاسكندرون من جهة، وللضغط على سورية بالنسبة الى حصتها من نهر الفرات من جهة أخرى".
أما بالنسبة الى النهر الكبير الجنوبي الذي يبلغ طوله 76 كلم، منها 65 كلم في الأراضي السورية، وهو ينبع من شمالي جبال لبنان الغربية جبال عكار، ويصب في خليج عكار على مسافة 15 كلم شمال مدينة طرابلس اللبنانية، بينما يشكل نهر راويل المنحدر من السفوح الجنوبية لجبال اللاذقية المجرى الأعلى للنهر الكبير الجنوبي، لذا فإنه، وبحسب الباحث، يوجد نحو 20 كلم من روافد النهر الكبير الجنوبي في سورية ولبنان، ثم يجتمعان ليشكلا النهر الحدودي الذي يساير الحدود السورية - اللبنانية.
ووقعت اتفاقية لتقاسم مياهه عام 2002 اعتبرها الباحث"مثالاً يُحتذى به على أن المياه قد تكون مصدراً للتعاون والرخاء للشعوب"، كون الاتفاقية نصت على: آلية دراسة وتنفيذ السد المشترك، وعلى آلية إدارة الحوض واقتسام مياه النهر.
وبعد... لم تترك قوانين المياه شاردة أو واردة إلا نصت عليها ومن خلال دراسات الخبراء والفنيين في جميع المجالات وفي مراحل زمنية مختلفة في ما يتعلق بمياه الأنهار ومجاريها.
إلا أن المشكلة هي في كيفية تفسير القوانين، وفي الفهم - المُغرض - للسياسيين والخبراء في تطبيق سياسات قد تكون منافية للقوانين الدولية ونصوصها وروحها.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.