ابتُكرت قارورة الغاز في ثلاثينات القرن المنصرم. وعلى رغم سعي الشركات الى تحديث شكلها، بقيت قارورة الغاز على حالها. وهذه القارورة مشهورة باستدارتها وامتلائها وقِصرها، ويعرفها الناس فور رؤية الصنبور وسدّادته. وهي تشعل ناراً ملوّنة، وحلت محلّ مدافئ الوقود والمازوت التي تنفث دخاناً وسخاماً. ولكن قارورة الغاز لها جانب مظلم. فمن يقتنيها يضع قنبلة قد تنفجر في أي لحظة في منزله. وانفجارها مدوٍّ ويخلّف أضراراً جسيمة. وعلى رغم أن انفجار قوارير الغاز نادر، يحسب أفراد مكافحة الحريق له ألف حساب، كلّما دخلوا منزلاً يحترق، خصوصاً إذا لم يتسن لهم معرفة مكانها في البيت من صاحبه. وقد تكون القارورة مخبأة خلف خزانة، ونسي أهل المنزل أمرها. وهي، شأن بقية أشياء الحياة اليومية، لها وجهان. فوراء طابعها العادي اليومي، ثمة طابع استثنائي لا يشبه القارورة الحديد المسالمة المنسية وراء الخزانة. وقارورة الغاز تحمل في جوفها نواة الخطر. ونحن نشعر بهذا الخطر عندما نشم عبق رائحة غريبة أو رائحة شيء يحترق. وقد نتذكر وجه القارورة المظلم قبيل مغادرة المنزل، فنحكم شدّ سدادتها. وعندما نسمع نبأ عن وقوع انفجار، قد نسارع الى التأكد من سلامة قارورة الغاز. والغاز يستوطن معظم المنازل، شأن الكهرباء والماء. وهو علامة الحداثة الكاملة. والغاز حيّ، ومنساب، وعصيّ على السيطرة، وأكثر غموضاً من الكهرباء. وهو في متناول الجميع، وعملي، وزهيد الثمن. وله وجه أكثر إنسانية وأقل عصرية. وفي المطاعم، يكون الغاز أكثر مرونة وطواعية من الكهرباء. فشعلته صريحة وواضحة للعيان. والقارورة احتفظت بقوامها مع مرور الزمن. وهي لا تجد مكاناً لها حتى في عالم الزيف والرداءة. وهي تشبه شخصاً طيباً، وأليفة، وعادية، وجزء لا يتجزّأ من عالم المطبخ. وفي المطابخ العصرية، تؤدي وظيفتها على أكمل وجه. ولذا، ينسى الناس مخاطرها. ولا تتماشى قارورة الغاز مع أثاث المطابخ الحديثة. لذا، يفضل الناس إخفاءها. وتوحي قارورة الغاز أنها رجل طيّب، على خلاف الخطر الكامن فيها. ولكن"جسم"قارورة الغاز كبير. وهي تحتل حيّزاً من المطبخ الصغير، وهو غرفة الجلوس الأثيرة في المنازل الحديثة. عن ديدييه أرنو، وجان كلود كوفمان عالم اجتماع، "ليبيراسيون" الفرنسية، 15/8/2007