من الصعب تفسير ما يحصل في إيران على صعيد السياسة الداخلية خصوصاً في ما يتعلق بالقطاع النفطي. فكيف يفسر المسؤولون الايرانيون لشعبهم أن إيران، وهي ثاني دولة نفطية حالياً في منظمة"أوبك"، اعتمدت تقنين البنزين لأنها تعاني من نقص في امدادات المشتقات النفطية. لا شك أن هذا البلد الكبير وذا العدد الذي ينمو مستمر والموارد النفطية والغازية الضخمة يعاني من إدارة سياسية غريبة عجيبة. فمنذ سنوات تعتمد إيران على استيراد المشتقات النفطية لأن قدرة الدولة التكريرية غير متوافرة. ومنذ أن بدأت العقوبات الأميركية والدولية تفاقمت أزمة الاستيراد للمشتقات النفطية لأن العقوبات والضغوطات الاقتصادية الأميركية على المصارف العالمية لعدم السماح لها بالتعامل التجاري مع ايران لعبت أيضاً دوراً أساسياً في توفير الامدادات المستوردة من المشتقات النفطية. والغريب أن إقالة الرئيس الايراني أحمدي نجاد وزير نفطه كاظم فازيري هاماني واستبداله مؤقتاً بمدير الشركة النفطية الايرانية الوطنية غلام حسين نوزاري المعتبر من المحافظين ظهر كأنه خطوة تهدف الى جعل فازيري هاماني"كبش محرقة"أو ضحية لسوء إدارة إيرانية سياسية خلال هذه السنوات. فالرئيس الايراني كان عيّنه بعد ثلاثة مرشحين للمنصب الوزاري نفسه قدمهم قبلهم الى المجلس ورفضهم المجلس في 2005. فقد انتخب أحمدي نجاد في آب اغسطس 2005 ولم يتمكن من تعيين وزير نفط حتى كانون الأول ديسمبر من العام نفسه. وإقالة فازيري هاماني تعكس خلافات عميقة في التيارات المختلفة داخل النظام السياسي الايراني. فالمحللون للوضع وهم من أبناء النظام الحالي، راهنوا منذ تولي أحمدي نجاد الرئاسة على أنه في غضون سنتين من رئاسته سيظهر فشله في التعامل مع القضايا الداخلية لإرضاء الشعب الذي انتخبه وللوفاء بوعوده. فمنذ تولي الرئاسة تفاقمت المشاكل مع الغرب ومع جيرانه في المنطقة، والكل في ايران يعتبر أن السلطة الحقيقية هي للمرشد علي خامنئي. إلا أن أحمدي نجاد وفشله أمام شعبه خصوصاً في ما يخص قضية تهم كل إيراني وهي تقنين البنزين، هي مسؤولية رئيس انتخبه شعبه ظناً منه أنه سيحسّن أوضاعه. وبدلاً من ذلك تبدو المعاناة أكبر. فالرئيس الايراني مهتم بالخارج أكثر منه بالداخل. فهو يتطلع الى حلفه الاستراتيجي مع سورية والتدخل الى جانب حلفائه في لبنان ومدهم بالمساعدات المالية في حين أن شعبه لا يمكنه استخدام سياراته أو النقل العام كما يشاء لأنه عاجز عن تأمين أدنى مستوى من الحياة الطبيعية والسهلة لبلد غني ينتج حوالى 4 مليون برميل من النفط في اليوم. والقطاع النفطي الايراني يواجه حالياً تحديات كبرى في طليعتها انخفاض كبير في قدرة انتاج عدد من الحقول النفطية التي هي في مرحلة النضوب وتحتاج الى مشاريع وتمويل لتطويرها. ومسؤولو قطاع النفط الايراني أمام تحد كبير لجلب الاستثمارات والمشاريع الجديدة لتطويرها. فهذا يتطلب تقنيات حديثة، كما أن قطاع التكرير الايراني يتطلب نفض وتوسيع وبناء مصاف جديدة، فكيف يمكن ذلك وإيران في مواجهة مع الغرب وتتبنى سياسات ليست في مصلحة شعبها، مبنية على شعارات تهجمية وتدخلات في قضايا دول مثل العراقولبنان وغيرها من دول عربية. فطموح الهيمنة الايرانية على المنطقة ينبغي أن يزول لأن الشعب الايراني الكبير متعطش الى ظروف داخلية مريحة ومرضية. والنظام الايراني حالياً غير مدرك أن الثورة الايرانية التي أتت بالخميني كان سببها انتفاض الشعب الايراني على أخطاء سياسة الشاه الذي أهمل شعبه لمصلحة الهيمنة في الخارج ولأنه طمح أن يكون القوة العسكرية الثالثة في العالم. فمن الأفضل أن تهتم ايران بمواردها وسياساتها الداخلية قبل البحث في مَن سيكون الرئيس في لبنان، والمطالبة بحصة أكبر في السلطة لحلفائها هناك، أو كيف تدعم حماس ضد السلطة الفلسطينية!؟