درجت جدات على دعوة حفيداتهن الى تلوين الفم وتزيينه بأحمر الشفاه. فهذه الزينة، على ما ترغب اللواتي يتزين بها، تلفت الأنظار. ولكن النساء لا يجمعن على هذه النصيحة. فمنهن من لا يستخدم أحمر الشفاه، ومنهن من يقبل على تلوين الشفتين. وثمة نساء يستخدمن احمر الشفاه يومياً، وبعضهن يفضّل اللون الزهري مثل"باربي"الدمية، أو الأحمر الفاقع الذي تخجل أخريات من التزين به. وتحرص نساء أخريات على الحفاظ على لون احمر الشفاه وتتجنب بهتانه، فتستخدم الحمرة كل نصف ساعة. وهناك من يطلين شفاههن بلون"بيج"غريب، أو لون شوكولاته يوحي بالمكر، أو أي لون لمّاع يجذب الضوء والأنظار. ولطالما ارتبطت بعض الألوان الباردة والحارة بحال المرأة النفسية. فلون احمر الشفاه هو مرآة مزاج المرأة، وشغفها وأنوثتها ومشاغلها. وعلى الناظر الى لون أحمر الشفاه أن يفسّر ما تريد المرأة إبلاغه إياه. عن إيمانويل بيير، "ليبيراسيون - إيتي" الفرنسية، 2/8/2007 وظهرت عبارة "أحمر الشفاه"، للمرة الأولى، في جردة حساب متجر عطّار فرنسي، في 1759. فالعطار دوَّن عبارة"دزينتان من عُلب أحمر الشفاه". ومنذ 1760، بدأ تلوين الفم. ويعود الفضل في رسم الشفتين وتلوينهما الى تقدّم طب الأسنان. ويومها كان طب الأسنان حديثاً، ولم ينقض على إرسائه غير عقدين من الزمن. وفي نهاية القرن السابع عشر، ظهرت أولى فراشي الأسنان. وفي ذلك الوقت، كانت الأسنان، عموماً، متآكلة وسوداء ينخرها السوس. وكانت تتساقط من سن مبكرة. ففي تلك الأيام، أخذ الناس يشربون الشوكولاته والقهوة والشاي، ويستهلكون المثلجات، وكل ما يُسّرع نخر السوس الأسنان. والفم قلّ ذكره ووصفه في الأدب. وكان وصف تقاسيم الوجه يقتصر على الوجنات والعيون، وهذه مرآة النفس. فالفم كان رمز الكلام الشفهي، والجنس، والعامّة، والأكل. وكانت رائحة الفم على الأغلب كريهة. وفي البداية، كان الأحمر يوضع على الوجنتين، وعلى بشرة ناصعة البياض. وكان البياض واللون الأحمر من علامات طبقة الأشراف النبلاء. وغلا سعر المسحوق الأحمر هذا غلاءً باهظاً، واحتكرت الحاشية الملكية والأرستقراطية شراءه، ولم يكن شراؤه في متناول العامة. وغلب، في ذلك الزمان، على البشرة التقيح والبثور والدمل، وآثار مرض الجدري والإهمال. والبلاط، وضوء غرفه الداخلية الخافت، استحوذ على الحياة اليومية ومسرحها. وعلى خشبة هذا المسرح، غطت الأقنعة الوجوه. فلا يرى من ورائها سوى العينين. وقبل تعالي اصوات تنتقد الكنيسة والسلطة الحاكمة في مطلع القرن الثامن عشر، لم يكن الفم وثيق الصلة بالكلام والتعبير عن الرأي. وفي بداية النصف الثاني من القرن السابع عشر، بدأ"رسم"الابتسامات والشفتين المكتنزتين، ونقل الصباغ الأحمر من الوجنتين إلى الشفتين. وعندما بدأ الأشراف والكتّاب يخرجون من القصور والمدينة ويكتشفون الطبيعة، مثل الكاتب جان جاك روسو والملكة ماري أنطوانيت، لاحظوا ان لوني مسحوق"البودرة"البيضاء على الوجه، وأحمر الوجنتين، صارخان تحت نور الشمس. ولا يلبث مزيج الصباغ الأبيض والأحمر أن يذوب من حرارتها. ومع الخروج إلى الهواء الطلق، استساغ النبلاء ألوان الطبيعة وضوءها، وأحبوا ان تحاكي زينتهم ألوان الطبيعة الزاهية. وفي 1635، صنعت قابلة قانونية أول مرهم ملوّن للشفاه. وفي 1779، حصلت جمعية الطب الملكي على أول وصفة لأحمر الشفاه، وصبّت المرهم في قالب يشبه عصا صغيرة او قضيباً. ومن مكونات الوصفة نخاع العجل، ومرهم الخيار، والشمع الخام، وصباغ قرمزي. وراج أحمر الشفاه منذ أيام قدامى الإغريق والمصريين والرومان، وفي القرون الوسطى وعصر النهضة. ووُضع المزيج في"قرون"من الورق المقوّى، وكان هذا المزيج الساخن يُترك في قالب ليبرد ويقسو. وسبقت وصفات الحمرة المنزلية الوصفات الحديثة. وكان العطارون أصحاب هذه الوصفات، وموادها نباتية، أو حيوانية، أو معدنية. وكانت الوصفات القديمة تشبه الوصفات الحديثة. وشأن النساء المعاصرات، واجهت النساء، في القدم، مشكلات في تثبيت لون الحمرة على الشفتين. وعُرف أيضاً المسحوق والمرهم، وأحمر المساء وأحمر النهار، وللسمراوت والشقراوات، وحتى الصهباوات. واختبرت أقلام معدنية. وشيئاً فشيئاً، انتشر أحمر الشفاه، ولم يبق حكراً على طبقات المجتمع الميسورة والعالية، وانتشر بين الممثلات ونساء الحاشية والغانيات. وتراجع استخدامه بين نساء الطبقة الأرستقراطية. فالخضاب والحمرة يشوهان الطبيعة. وفي القرن التاسع عشر، وُقف التبرج وپ"اصطناع"الجمال على فتيات العامة. وعزفت النساء الراقيات عن تلوين البشرة والشفاه، وفضلن نقاء البشرة وعريها على التبرج. وفي القرن الثامن عشر، وفيه راجت قيم الحرية والتحرر، وقامت ثورة سياسية واجتماعية واستهلاكية، تلقفت البورجوازية، والحرفيون، شيوع مواد التجميل، ونزولها من أبراج الأرستقراطية العالية. وتخفف الناس من التزام أزياء تقوم قرينة على الطبقات، وشاع الكلام على حق المرء في اختيار أزيائه ومظهره، وبدأ التغني بحب الحياة التي باتت أقل قسوة. وفي القرن السابع عشر، تنوعت ألوان الحمرة مع تدني أسعار المواد المستوردة من الهند، وتلوّن السجاد والأثاث بألوان الهند هذه. ويومها حمل طلاء احمر الشفاه على علامة من علامات الحرية. عن إيمانويل بيير، "ليبيراسيون - إيتي" الفرنسية، 2/8/2007