أين سيضرب الإرهاب غداً؟ ثمة ثوابت في موضوع الإرهاب العالمي، أولها انه لن يهزم بسرعة أو يزول من تلقاء نفسه، فلو تضافرت دول العالم كله، وركزت جهودها مجتمعة على قهر الإرهاب لاستطاعت حصره ومنع أكثره من دون ان تقضي عليه نهائياً. وعندما يتصرف طبيب دماغ وكأنه بلا عقل فإننا يمكن ان نقدر كيف يتصرف الجهلة، وهم الغالبية. ثابت آخر في موضوع الإرهاب هو ان لا تبرير له ولا عذر فيه، فهو جريمة ضد الإنسانية جمعاء، سواء ارتكب في نيويورك أو لندن أو مدريد، أو في الرياض أو بغداد. كل من يعتذر للإرهاب شريك فيه ودم الأبرياء على يديه. إذا حصرنا الموضوع بالإرهاب الإسلامي فالثابت الثالث هو ان الذين يمارسونه أعداء الإسلام، والإسلام منهم براء. درست الإسلام في جامعة أميركية دراسة علمية علمانية، وأعدت دراسته لمساعدة ابني في جامعة بريطانية، وقناعتي تامة مطلقة بأن الإسلام دين وسط ودين تسامح، ويحرم الإرهاب. لا شيء أسهل من الدفاع عن الإسلام، ولا شيء أصعب من الدفاع عن المسلمين، ففي حين ان غالبية منهم تعارض الإرهاب، فإنه يكفي ان يؤيده واحد في المئة من المسلمين لنعرف حجم المشكلة. واحد في المئة من 1.2 بليون مسلم تعني ان 12 مليوناً يؤيدون الإرهاب. والرقم في تقديري أعلى من هذا كثيراً، فبعد إرهاب 7/7/2005 في لندن أظهر استطلاع مشهور للرأي العام بين المسلمين البريطانيين، وعددهم حوالى 1.6 مليون شخص أو أكثر، أن حوالى ربعهم يؤيدون قتل النساء والرجال في وسائل النقل العام، أي أن 400 ألف مسلم بريطاني يؤيدون الإرهاب. لا أعرف عدد الذين يؤيدون الإرهاب الأخير في لندن، ولكن أرجو ان يكون صفراً في المئة مع انني لا أتوقع هذا. أرجو من القارئ ان يتذكر هذه الثوابت الثلاثة، وأنا أكمل بسؤال آخر: ما العمل؟ في الإرهاب طرفان، الطرف الممارس والطرف المستهدف، وكل جهد سيذهب هباء إذا لم يتعاون المسلمون مع الشرق والغرب لمكافحة الإرهاب، ثم هناك واجب كل طرف بمفرده. واجب المسلمين ان ينبذوا الإرهابيين من وسطهم، وان يفضحوا زيف تفكيرهم الديني، ويزيلوا الهالة عن قادتهم، فهؤلاء إرهابيون قتلة أضروا بالإسلام كما لم يستطع الأعداء. ولست من الغرور ان أعرض حلولاً فاتت العلماء والخبراء، فإصلاح مناهج التعليم خطوة أولى أساسية، وحجب التمويل عن الإرهابيين، ومعاقبة كل من يساعدهم خطوتان تاليتان، وتوفير بدائل إنسانية مقنعة للفكر الإرهابي خطوة أخرى، وهكذا. الغرب، وتحديداً الولاياتالمتحدة، مسؤول عن الإرهاب قدر مسؤولية المسلمين عنه. لماذا استهدفت نيويورك وواشنطن، وليس ستوكهولم؟ ولماذا استهدفت لندنومدريد عندما كانت أسبانيا جزءاً من التحالف في العراق وليس دبلن؟ بعد كل عمل إرهابي وكل إرهاب مدان وغير مبرر تقوم أصوات المتطرفين في الغرب لتنكر أي جزء من مسؤوليتها عنه. والإنكار هذا إثبات، خصوصاً إذا صدر عن مطبوعات المحافظين الجدد في أميركا، أو عن جرائد يمينية. وبما ان هناك في الوسط الليبرالي واليسار من يعتذر للإرهاب، أو يبدي تشفياً بضحاياه، فقد لاحظت ان بعض الكتاب والمفكرين المحسوبين على الجناح الليبرالي يلعب لعبة اليمين في إنكار أي مسؤولية. ولا أزال أذكر بعد إرهاب 7/7/2005 في لندن ان نيك كوهن، الذي اعتبرته طويلاً كاتباً وسطياً، كتب في جريدة"الأوبزرفر"الراقية بعد ثلاثة أيام: واجهوا الحقيقة، كلنا يعرف من المسؤول عن جرائم الخميس... وهو ليس بوش أو بلير. هو بوش وبلير قطعاً مع الإرهابيين ليس كأفراد وإنما بتراكم السياسة المتوارثة في الولاياتالمتحدة وبريطانيا. وصولاً إلى حرب مجرمة على العراق لأسباب ملفقة لن تستحق الديموقراطية الغربية اسمها إلا عندما يحول المسؤولون عنها إلى محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي بتهمة إبادة الجنس، فهناك دماء مليون ضحية تصرخ طلباً للعدالة. مرة ثالثة، أدين الإرهاب بالمطلق، ولا أجد عذراً له أو مبرراً وأحمِّل العرب والمسلمين جانباً كبيراً من المسؤولية عنه. إلا ان الغرب لا يمكن ان يدعي البراءة، وإصراري على تحميله جزءاً من المسؤولية هدفه الوحيد وضع الطرفين على طريق النجاح في محاربة الإرهاب، لأن المسلمين وحدهم لن ينجحوا والغرب وحده لن ينجح، وإنما قد ينجح الطرفان معاً في حصر الإرهاب ضمن أضيق نطاق. الغرب اليوم يمارس إنكاراً من نوع الإنكار الذي شهدناه من المسلمين بعد إرهاب 11/9/2001، فالمسلمون الطيبون لم يتصوروا ان مسلمين مثلهم يرتكبون مثل هذا الإرهاب الفظيع، وحمل بعضهم المسؤولية حتى اليوم للموساد وسي آي إيه وغير ذلك. والغربيون الذين يعتبرون انهم ورثة الديموقراطية الاثينية، والأوصياء على الإنسانية، يرفضون ان يعترفوا بأن سياستهم انتصرت لظلم فظيع تعرض له الفلسطينيون على مدى عقود، وان تأييد الولاياتالمتحدة إسرائيل أخطأت أو أصابت، وعلى مدى 40 سنة من الاحتلال وممارساته النازية أحياناً، خلقت أجيالاً من العرب والمسلمين مستعدة للموت دفاعاً عن حقها. لا فائدة من تحميل المسلمين وحدهم المسؤولية، ولا فائدة من تحميل الغرب وحده، والمقصود هنا الولاياتالمتحدة، المسؤولية، فالإنكار المتبادل يعني استمرار الإرهاب وتفاقمه، أما الاعتراف المتبادل فخطوة أولى على طريق الحل.