منذ ما قبل تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، والمشاهد التي هزت العالم، ما بين مؤيد ومعارض، موافق لكن رافض للأسلوب، كان الشاب الفلسطيني صدام حسين 29 سنة يسعى، ولا يزال لتغيير اسمه إلى قيس، لأسباب نفسية، يقول:"والدي كان معجباً بصدام فحاصرني داخله لسنوات... الآن أريد التحرر، ليس بسبب أن صدام طاغية، أو بطل قومي، بل لرغبتي في الخروج من عباءته، والعيش بسلام بعيداً من لعنة هذا الاسم، الذي هو بطل في فلسطين، وطاغية في دول أخرى". وصدام الفلسطيني مقتنع بأن اسمه وراء خسارته الكثير من فرص العمل كإعلامي مع وسائل إعلام كويتية وخليجية. وعلى رغم قناعة من حوله بعدم قوة حجته، وأن ما يعيشه لا يخرج عن إطار الأوهام، إلا أنه دائم التساؤل:"هل يمكن أن تقبل صحيفة كويتية بأن يتصدر اسم صدام حسين صفحاتها"؟! وكثيرة هي الأسماء التي تحمل اسم زعماء وشخصيات سياسية في الأراضي الفلسطينية، منها ياسر عرفات، على اسم الرئيس الفلسطيني الراحل، مفجر الثورة الفلسطينية ورمزها على مدى العقود الماضية، أو أحمد ياسين، مؤسس حركة"حماس"، أو جمال عبدالناصر، والثائر الأرجنتيني تشي غيفارا، أخيراً، حسن نصر الله الأمين العام ل"حزب الله"اللبناني، وهوغو تشافيز الرئيس الفنزويلي، وحتى هناك من أطلق على ابنه اسم محمد دحلان، القيادي البارز في حركة"فتح"، نكاية بحركة"حماس"التي تعتبره من ألد أعدائها. ويقول ياسر عرفات 16 سنة:"أحب اسمي... أشعر بأنني شخص مهم بسببه، وكون اسمي على اسم الزعيم الفلسطيني الراحل، فإنه يوجد علاقة خاصة لي معه... لا يمكن أن أكرهه مهما فعل، ومهما قالوا لي إنه فعل... أنا أحبه جداً، وسأبقى مواظباً، كعادتي، على زيارة قبره في مقر"المقاطعة"في مدينة رام الله". واللافت أن التحولات السياسية العالمية، وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر في نيويورك وواشنطن، بات الكثير من العرب المقيمين في الولاياتالمتحدة، ومنهم الفلسطينيون، يتمنون لو أن أسماءهم تخرج عن الإطار الذي يكشف انتماءهم الديني، وبعضهم يسعى إلى تغيير اسمه من أحمد، أو عبدالله، أو أسامة مثلاً، إلى اسم محايد لا يرتبط بالإسلام في شكل مباشر، على رغم"اعتزازه"باسمه. ويقول أسامة منصور، وهو شاب فلسطيني يقيم في شيكاغو، ويملك شركة تجارية:"تضررت كثيراً بسبب اسمي، الذي يحمل اسم زعيم تنظيم القاعدة، بعد أحداث 11/9، وفقدت الكثير من الصفقات التي كنت المرشح الأكبر لها... بمعنى أنني خسرت الملايين لمجرد أن اسمي أسامة، لو كنت فادي، أو رامي، أو شادي، لما حصل لي ما حصل". وبعيداً من"الأسماء المسيّسة"، ثمة من يكره اسمه لمعناه، أو تكوين حروفه الثقيل على الأذن، أو لمجرد أنه"اسم قديم"، وپ"ليس على الموضة"، فليلجأ إلى ابتكار نوع من التحايل على الاسم، عبر اسم"دلع"يصبح متداولاًً بين الناس، في حين يقتصر الاسم الأصلي على المعاملات الرسمية، وشبه الرسمية في الدوائر الحكومية، ف"لطفية"تصبح"لولو"، وپ"سعدية"تتحول إلى"سعاد"، وپ"فتحية"إلى"فاتن".. والقائمة تطول. وتقول"لولو"، الموظفة في مؤسسة خاصة:"سمّاني والدي لطفية على اسم جدتي... يا الله كم ظلمني بهذا الاسم المتهالك في القدم، والثقيل على الأذن... والدتي لم تكن راغبة في ذلك، لكن من الواضح أنها لم تقوَ على تغيير الواقع، فتحايلت عليه، عبر الاستمرار في مناداتي ب"لولو"، ما جعله الاسم الدارج بالنسبة اليّ، حتى لدى والدي، الذي سرعان ما انهارت محاولات المقاومة التي كان يبديها أمام انتشار الاسم الجديد... أنا اليوم"لولو"، ونادراً ما يناديني أحدهم بلطفية، وحين يفعل والدي أو والدتي ذلك، أعلم أن ثمة موضوعاً خطيراً، وغاية في الجدية، يرغبان في الحديث معي حوله... عموماً أنا مدينة لوالدتي التي لم تستسلم ل"لطفية"على الإطلاق". وعلى رغم أن الكثير من الأسر بدأت تتجه حديثاً نحو الأسماء"المودرن"، والتي كثيراً ما تجهل معانيها، لا يزال البعض يصر على تسمية ابنه على اسم والده، أو ابنته على اسم والدته أو حماته، وهو ما تصفه الباحثة السعودية شريفة بنت عبدالكريم المشيقيح، في دراستها حول الأسماء، ب"الجمود العقلي"، متحدثة عن ظواهر سلبية عدة في ما يتعلق بإطلاق التسميات، منها الاتجاه نحو الاسم"الخفيف"أو"الأجنبي"من دون معرفة معناه، ومنها اتفاق الأب والأم على اقتصار مهمة تسمية الذكور على الأب، والإناث على الأم، وهو ما قد ينتج أسماء غير محببة لأحدهما، مشيرة إلى أنه ليس صحياً على الإطلاق أن يكره الأب أو الأم اسم الابن أو الابنة. ويرفض كثيرون المثل العربي الشهير"لكل امرىء من اسمه نصيب"، فسعيد يؤكد أنه"بعيد جداً من معنى اسمه وتجلياته"، وكذلك مشهور"المغمور والذي لا أحد يعرفه"، والأمر ينطبق على منتصر"الذي يتعرض للكثير من الهزائم"، وغيرهم. وفي الوقت الذي تترتب على أية خطوة لتغيير قانوني للاسم، تعقيدات كثيرة، يلجأ الشباب الفلسطيني، كما غيره في الوطن العربي، إلى غرف الدردشة، لاختيار الأسماء التي يحبونها... رشدية غير اسمها إلى رشا، وفاطمة إلى سها، ومهدي إلى أنس. وكثير من الشباب والفتيات لا يعرفون معاني أسمائهم، وهو ما حصل تماماً مع يوسف 26 سنة، يقول:"طوال الوقت ابحث في المعاجم العربية عن معنى اسمي فلا أجد، كونه اسماً أعجمياً، لأكتشف حديثاً أنه اسم عبري يعني التقرب إلى الله". وفي فلسطين ظاهرة تكاد لا تتكرر، حيث أن الكثيرين ممن انضموا إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وخاضوا حروبها ضد الاحتلال، وفي بعض الدول العربية، ولغرض التخفي، وضمان عدم الملاحقة، يعيشون اليوم بأسمائهم المستعارة، فالرئيس الراحل ياسر عرفات هو في الأصل محمد عبد الرؤوف القدوة، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من الساسة، والكتاب، والصحافيين، ممن يعيشون اليوم في الأراضي الفلسطينية، حيث يجهل الكثيرون أسماءهم الحقيقية، وهم أنفسهم باتوا غير معتادين عليها، فترى شخصاً يدعوه العامة سمير، وهو في الأصل خليل، أو صالح عوضاً عن محمود!