يفتتن الناس في المجتمعات الغربية، على مختلف مشاربهم، بالحضارات المختلفة عن حضاراتهم، وبأساطير الشعوب القديمة، وينشئون متاحف تدعوا روادها الى التعرف على أذواق الآخر المختلف، وعلى ثقافته ومعاييره الجمالية وموسيقاه، وأدوات هذه الموسيقى، وأنواع طعامه ومأكله. وثمة رومانسية في هذا الميل، وحنين الى فردوس الأصول، أو نعيم الشعوب الموسومة بالپ"البدائية". وعلى خلاف متاحف"الآخر"، يعرض متحف"الذات"أو المتحف"القومي"والوطني ما يحدد هوية جماعة ما أو قوم، على غرار متاحف الفنون والتاريخ والآثار، أو المتحف البلدي الذي يعرض قطع فسيفساء أو أسلحة من العصر البرونزي. والحق ان متحف"الذات"أقل غرابة من متحف"الآخرين". فهذا يعرض أشياء جلبها أفراد بعثات، ومستكشفون، من أمكنة بعيدة، أو أشياء"غنمتها"جيوش استعمارية. وخلّف تصنيف مقتنيات متاحف"الآخرين"أثراً كبيراً في علم الاثنولوجيا الأعراق. وفي الماضي، كانت متاحف"الآخرين"متاحف التاريخ الاستعماري والأعراق. واليوم، تغير مفهوم متحف"الآخرين". ولم يفض هذا التغير الى مفهوم جديد وواضح لهذه المتاحف. وقد يؤدي هذا الى غلق هذه المتاحف، أو تحويلها متاحف للفنون البدائية، أو متاحف تاريخية. فعلى سبيل المثال، حاول"متحف الإنسان"في باريس، وهو أنشئ 1938، بناء عوالم صغيرة عرض فيها ما هو خاص بجماعة من الجماعات. وهذه العوالم هي شواهد على حضارات مختلفة. واختلق هذا المتحف عوالم منقطعة من التاريخ والزمن، وخارجة عن سياقاتهما وأطرهما. فبدا العالم الاستعماري في هذا المتحف هادئاً ومسالماً. فالأسلحة المعروضة فيه هي أسلحة موروثة من الماضي. وأظهر هذا المتحف مناخ سلم عميم زعم أن فرنسا أشاعته في امبراطوريتها. وعالم"متحف الإنسان"الجامد هذا وسّع الفجوة بين العالم الأسطوري الذي يبرزه الى العيان وبين العالم الخارجي، وحوادث العنف والحروب الاستعمارية وما بعد الاستعمارية. وفي آخر القرن العشرين، بلغ هذا التباعد بين ما يعرض في المتحف وبين الوقائع ذروته. فأنشأ البريطانيون، وحالهم حال الفرنسيين، متحفاً جهد في إقناع رواده بأن بريطانيا العظمى الحالية هي ثمرة تاريخ استعماري مشترك. ولا يستثني هذا التاريخ الحروب والنزاعات من فصوله. ونحت فرنسا منحى مختلفاً. فحال الفرنسيون الى تذوق"الغريب"والغرابة تذوقاً جمالياً، والى الاحتفاء بخصوصية الآخر هذا، وتناغمه مع الطبيعة. وفي عالمنا المعاصر، تشهد تسميات مثل"شعوب"أصلية"، أو"شعوب الطبيعة"، رواجاً كبيراً. وتعود جذور هذه التسميات، وقوامها فكرة المتوحش الطيب، والبشرية المقيمة في فردوس، الى القرن السادس عشر. فكريستوف كولومبوس، مكتشف أميركا، رأى سكان أميركا الأصليين عراة، فحسب أنهم في الفردوس. ولكنه لم يتردد في إخضاع سكان الفردوس واستعبادهم. وهذا الفهم لا يزال سائداً في المجتمعات الصناعية الأرقة. فثمة رغبة في اعتبار هنود الأمازون آخر مجموعة بشرية تعيش في عالم محمي، أو جماعة تحافظ بالفطرة على البيئة، ومحافظتها هذه هي الأمل المنشود في تجدد الإنسانية. وهذه"الأسطورة"تتجلى في صور مختلفة. فبعضهم يرى أن"البدائيين"يعتنقون ديانة بدائية، لا وجود لها إلا في خيالهم، وآخرون يرون ان الشعوب الأولى هي رأس حربة مقاومة الرأسمالية والعولمة. وتذهب لغة الأساطير الى تفسير الواقع على وجه الجوهر. ويكاد هذا التفسير أن يكون مبسطاً وهزلياً. فعليه، الهنود"الأصليون"وحدهم هم الهنود الحقيقيون. ولا يكترث أصحاب هذه النظرة بمن التحق من الهنود بالحداثة. فهؤلاء هنود"غير أصليين"، ولا يشبعون افتتاننا ب"الغريب". وعلى زائري المتاحف أن يدركوا أنهم لن يروا حقيقة السكان الأصليين بل أسطورة محاكة عنهم. وفي معظم متاحف العالم، يقدم الجانب المسالم من الآخر الى الزائر. فسمات الآخر هي سمات مبسطة وملساء وجاهزة للاستهلاك. وعلى خلاف نظرة المتاحف الى الآخر، تقدم وسائل الإعلام نظرة مغايرة لهذا الآخر، وتقتصر على جانب واحد منه. وهذا الجانب هو جانب العنف والإرهاب. والتباين بين صورة الآخر المتحفية، وبين صورة الآخر الإعلامية، صارخ. وعوض الاكتفاء بعرض أشياء تعود الى جماعة ما، وحياكة أساطير جديدة، يجب حمل هذه الأشياء على سياقاتها الاجتماعية والثقافية والتاريخية الكثيرة والمختلفة. عن بونوا ليتوال، "ليبيراسيون" الفرنسية، 21/6/2007