لم يبق من الأحياء، الأرمنية ومن مركز دبغ الجلود وصباغها بالقرب من قلعة موروثة من القرن الثامن، بخربوط التركية، سوى الأطلال والأنقاض. وروى كتاب انتونيا ارسلان ترحيله، واثني عشر ألف أرمني من أبناء جلدته من خربوط بتركيا، وتدمير منازلهم. واقتبس المخرجان الإيطاليان الأخوان تافياني، فيلمهما الجديد"بيت القبرات"من هذا الكتاب. ولم تجد كاميرا المخرجين في موقع هذا البيت غير شجرات لوز مزهرة تطل على مقبرة سورية. وغالباً ما يتنزه الأحبة في الأزقة بجوار طلل المنزل، ولا يدرون ان هذه الأزقة شهدت"الشر الأكبر"قبل 92 عاماً. ففي 24 نيسان أبريل 1915، أجبر 12 ألف أرمني على إخلاء منازلهم، ومغادرة أرضهم. وقضى معظمهم على طريق النزوح، ولم يبلغ مدينة حلب السورية سوى مئتي شخص من هؤلاء. وبلغت حصيلة عملات التطهير الاثني نحو مليون ونصف مليون أرمني بالأناضول. وذهب عقل السيدة زرهرا يوم علمت كيف قتلت أمها في أعمال التطهير. فالجنود الأتراك بقروا بطن أمها ليروا إن كان الطفل الذي تحمله ذكراً ام أنثى. فقضت الأم وجنينها على الفور. ولا أحد بتركيا يحيي ذكرى عمليات التطهير الإثني القومي - الديني. وكان الشباب التركي المذعور من انهيار الإمبراطورية العثمانية، ومن الهجمات الروسية في بداية الحرب العالمية الأولى، المبادر الى هذه العمليات. ونجح هؤلاء الشباب في المهمة التي ندبوا انفسهم إليها. ففقد المجتمع التركي تعدده القومي. وطوال قرون، عاش الأرمن والأكراد واليونان والسريان والعرب والشركس في الأناضول معاً. وكان واحد من ثلاثة أتراك يدين بديانة غير الإسلام. واليوم، لم يبق بتركيا غير ستمئة ألف أرمني باستانبول، ومئات قليلة منهم في القرى. واللافت أن الأتراك كبتوا جميعاً ما حصل في الماضي هذا. فلا شيء يشير الى وقوع المجازر. والباحث عن عائلة أرمنية قد يقضي أياماً قبل ان يعثر على واحدة منها. واللقاء بأرمن صعب. فهم يفضلون الالتقاء وسط الناس في البازار. ولا يفارق الحذر والريبة الأرمن عند محاورتهم. فأي كلمة يتفوهون بها قد تودي بحياتهم، أو قد تدينهم في المحكمة. ويسمي الأتراك الإبادة هذه اغتيالات، وينسبونها الى المتطرفين والقوميين، ويتناسون الماضي، ولا يفكرون فيه. ففي 2006، قتل صحافي ارمني هو هرانت دينك، وكاهن إيطالي هو الأب سانتورو. وفي العام الجاري، قتل رهبان مسيحيون، ونسب القتل الى"الله والوطن". وفي الاناضول، شباب تركي متحفز لاغتيال من ينادي بالتقارب بين الاكراد والامن، أو بين المسلمين والمسيحيين. ويخاطر من يتمسك بالبقاء في بلده، من الأرمن، بخسارة حياته أو بالعيش متخفياً. وبحسب زملاء دينك، ولدت تركيا الحديثة من إبادة الارمن. والاعتراف بهذه الإبادة يفترض بناء هوية قومية مركبة وثقافة سلام ترعاها دولة علمانية. عن جيانباولو فيشيتي ، "لا ريبوبليكا" الإيطالية، 30/5/2007