عملا بالمثل القائل "اطرق جميع الأبواب، لا بد من أن يفتح أحدها"، كسرت مجموعة من 7 شباب من المعهد الفيديرالي للتقنية في زوريخ، حاجز الخوف من البطالة عبر إقامة معرض سنوي في باحة المعهد لاستضافة شركات باحثة عن العقول. ويجمع المعرض الخريجين الشبان أو طلاب السنوات النهائية فيستمع كل طرف إلى الآخر، ويتعرف إلى توقعاته وانتظاراته. وتقول ساندرا شفيندر مسؤولة الإعلام في المعرض"إن مساهمة الشباب في تنظيم هذا المعرض وتحمل مسؤوليته، خطوة مهمة جداً في الحياة العملية، فنحن جميعاً ندرس العلوم التقنية، والفروع المرتبطة بها في الإدارة والتخطيط وغيرها. ويعتبر ترتيب هذا المعرض السنوي، مكسباً كبيراً لنا، لأنه تدريب جيد على التعامل مع 115 شركة وأكثر من800 طالب في الوقت نفسه". ويمهد المعرض الطريق أمام الطلاب الزائرين من خلال تدريبهم أولاً عبر متخصصين في الموارد البشرية، يستمعون منهم إلى طريقة عرض الأفكار والتحاور والنقاش مع مندوبي الشركات، وكيفية تقديم السيرة الذاتية والصورة المناسبة المرفقة بها. ويقول ديتر شاتس مدير المعرض لهذا العام:"هناك فرق بين أن تطرق أبواب الشركات من طريق الهاتف أو البريد أو البحث عنها في إعلانات الصحف، وبين أن تلتقي مع غالبية الشركات تحت سقف واحد، فالحديث المباشر يفتح آفاقاً جديدة امام الشاب، ويمكنه من ابراز شخصيته أمام محاوره، وهذه فرصة جيدة، لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال هذا المعرض". ويتفق الشباب الزائرون مع هذا الرأي، ففي رأيهم أن إرسال الخطابات بحثاً عن وظائف يمكن أن يكون نافعاً في بعض الأحيان، ولكنه في أحيان أخرى ممل لأن الانتظار يطول على أمل أن يأتي رد إيجابي أو موعد مقابلة. أما الحوار في هذا المعرض فهو مفتوح، والجواب يكون معروفاً تقريباً بعد نهاية اللقاء الأول. جوزف يدرس الهندسة الكهربائية ويستعد للامتحانات النهائية بعد شهور، ولديه مشروع تخرج جيد يقول انه يصب في مجال الطاقات البديلة التي يكثر البحث عنها الآن. اللقاء الأول كان مع احدى الشركات الرائدة في هذا المجال، ويقول جوزيف:"حرصت على اختيار الشركات التي أرغب في تقديم نفسي إليها، لأن المعرض يقوم بطباعة دليل كامل لكل الشركات المشاركة، ويحدد الأشخاص الذين يمكن التحاور معهم مسبقاً، وبالتالي تمكنت من وضع برنامج للحوار والحديث". تم اللقاء في أجواء ودية، قدم فيها جوزيف ما عنده من أفكار حول مشروع تخرجه، وكيف يمكن تطبيقه عملياً في المجال الصناعي، واستمع من مندوب الشركة الى بعض الملاحظات التقنية، وانتهى الحديث بتحديد موعد جديد في مقر الشركة، رأى فيه جوزيف خطوة إيجابية. المرحلة التالية كما تقول ياسمين التي تطوف بدورها في المعرض، ستكون بعد اللقاء الثاني مع الشركات، فهي تتوقع ماذا سيطلب منها، وستستعد له، لأنها واثقة بأنها صاحبة الخيار النهائي، ولن تكون في خانة المنتظرين. موقف قد يبدو غريباً إلى حد ما، فمع ازمة البطالة الحالية يفترض أن الشباب هم الذين يتمنون الوظيفة. لكن إدوارد يتحدث عن تجربته في العام الماضي:"هذا التفكير صحيح، لكن أوروبا تعاني من نقص شديد من الأكاديميين المؤهلين جيداً، الذين يعرفون مفاتيح البحث العلمي التطبيقي، وعلى درجة رفيعة من الحرفية، لذا فنحن كخريجين جدد من جامعة لها ثقلها مثل زوريخ لدينا فرص جيدة، وعددنا قليل للغاية". ولا تعرض الشركات في هذا المعرض الوظائف الشاغرة لديها، بل تستمع إلى الشاب أو الفتاة، ماذا لديه وما هي طموحاته. وتقول مارتا مسؤولة الموارد البشرية في إحدى الشركات:"أمل إيجاد وظيفة يجعل الشباب يجيبون بنعم على جميع الأسئلة، وهذا النوع لا نريده، بل نريد الشاب أو الفتاة الذي لديه القدرة على الابتكار والإبداع والتميز. فمن يأتي ومعه مجموعة من الأفكار والمشاريع يعني أنه يستطيع تقديم الجديد، وهذا ما نحتاجه لأن الصراع الذي تعيشه الشركات الأوروبية هو صراع تصيد العقول الذكية". المشكلة التي تواجهها الشركات أيضاً هي في عدد الخريجين المؤهلين بشكل جيد. ويقول أحد المسؤولين عن مكاتب خدمات التوظيف التي كانت حاضرة أيضاً في المعرض:"شباب هذه الأيام ليست لديه القدرة على التحمل والمثابرة، غالبيتهم تبحث عن الحياة السهلة والمال السريع، والنتيجة أن معظمهم سطحيون ولا يمكن الاعتماد عليهم في مهمات ذات مسؤولية". وتتزامن هذه المشكلة مع تراجع أعداد الشباب الملتحقين بالجامعات السويسرية بشكل خاص والأوروبية بشكل عام، كنتيجة طبيعية لتراجع نسبة المواليد في تلك البلاد، فعلى سبيل المثال تبحث شركة الاتصالات السويسرية منذ بداية السنة عن 100 متخصص في المعلوماتية والبرمجة ولم تعثر سوى على 13 فقط. وتعتقد الشركة بأنها تستطيع من خلال هذا المعرض أن تعثر على عدد اضافي من الخريجين الجدد المطابقين للمواصفات، لكن الموقف بحسب إدارة الشركة غير مطمئن، لأن عدد المؤهلين جيداً في تراجع، ولا تريد الشركة أن تغامر باستيراد خبراء من خارج أوروبا لصعوبة إجراءات استخراج تصاريح العمل لغير الأوروبيين. اللافت في المعرض أن الجميع يخرج منه وهو على قناعة بأنه الرابح: الشركات تعرفت مسبقاً إلى العقول الجيدة الشابة ويمكنها أن تختار من تجد، وبحسب إحصاءات المعرض يوقع 85 في المئة من الشباب الزائرين عقوداً ابتدائية جيدة لوظائف محترمة مع كبريات الشركات، و30پفي المئة ينجحون في الحصول على فرص تدريب بأجور معقولة أو تمويل لمشاريع التخرج. والأهم انه نشاط مجاني للطلاب ولا تدفع الشركات إلا رسوم رمزية.