من المتوقع أن تكون هنالك حاجة لثمانين مليون وظيفة خلال السنوات العشرين القادمة، يشغلها هؤلاء الذين سيغادرون المدارس والعاطلون عن العمل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعتبر هذا العدد الهائل من الشباب العربي غير العامل ضياعاً مأسوياً للطاقات البشرية، وكذلك تهديداً للنسيج الاجتماعي والأمن. وكان يُنظر في الماضي إلى التدخل الحكومي كالحل الوحيد لهذا التحدي، إلا أن الوظائف التي توفر توظيفاً مفيداً يمكن أن تأتي كذلك من النمو الحقيقي للقطاع الخاص. ألم يحن الوقت إذاً للتوجّه إلى قادة الأعمال لإيجاد الرؤية العملية والمشاريع الضرورية لمواجهة أزمة البطالة لدى الشباب العربي؟ لقد ركزت أجندة الاجتماع الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط، في البحر الميت، على التنوع الاقتصادي والنمو والسلم. وكان هناك اتفاق عام حول أهمية الدور الحيوي الذي يمكن لقادة الأعمال لعبه في إيجاد فرص التدريب والتوظيف والمشاريع الجديدة مباشرة ضمن نشاطات شركاتهم. والمطلوب منهم تطبيق روح المبادرة في الأعمال التي يتحلون بها على مهمة إيجاد الوظائف، مع ربط ذلك بأهداف متعلقة بحجم القوة العاملة لديهم. وإننا نجد في بعض الأحيان كلاماً كثيراً عما ينبغي القيام به، ولكننا نادراً ما نلقى الفعل المطبق المبني على الممارسات الناجحة والمتداولة حالياً في هذا المجال. وبشكل عام فإن الأخبار السلبية هي التي تهيمن على التغطية الإعلامية من هذه المنطقة، ولكن في الواقع هناك أمثلة إيجابية للغاية عن شركات وشراكات محلية أسهمت في إيجاد فرص توظيف مهمة ضمن شبكات الإمداد والتوزيع التابعة لها، ومن خلال مبادراتها الاجتماعية التي تركز على مجال الأعمال. والتحدي هو في توسيع نطاق الممارسات الجيدة والمجرّبة، وتحفيز المزيد من قادة الأعمال وأصحاب المبادرات على التعاون على نشرها. وبوجود القيادة الملائمة يصبح بالإمكان إعطاء دفع هائل لعملية إيجاد الوظائف المستمرة في المنطقة. ومن المؤكد أنه إلى جانب ذلك ينبغي على الحكومات تحرير نظمها الاقتصادية بهدف تشجيع نمو المشاريع والشركات، خاصة لمساعدة الشركات الصغيرة التي تعتبر أساسية في معادلة إيجاد الوظائف الجديدة. وعلى الحكومات كذلك إعادة توجيه العملية التعليمية بحيث تصبح المناهج أكثر تلاؤماً مع ضرورة توفير المهارات التي يحتاجها أرباب العمل. ولكن ذلك لا يقلل من دور القطاع الخاص المحلي، كونه المحرك الرئيسي للتطوير بالتعاون مع شركائه الدوليين في مجال الأعمال. ووفقاً لتوقّعات منظمة العمل العربية، فإن أكثر من مليون شخص سوف يبحثون عن عمل في الدول العربية بحلول العام ، كما تتوقع كل من الأممالمتحدة والبنك الدولي أن عدد الوظائف المطلوبة للأعداد المتزايدة ممن سوف يغادرون صفوف الدراسة، إلى جانب العاطلين عن العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سوف يكون ثمانين مليون وظيفة خلال سنة! إنه من دون شك تحدٍ هائل! ولكن هناك العديد من الأمثلة الجيدة في المنطقة ترشدنا إلى ما ينبغي القيام به لمواجهة هذه الأزمة، وهذا ما يشير إليه تقرير سيصدر هذا الشهر عن منتدى قادة الأعمال الدوليين IBLF بدعم من منتدى القيادات العربية، ومجموعة الإمارات البيئية، وجمعية رواد الأعمال الشباب، وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية، ومجموعة من الشركات المتعاونة. ويظهر تحليل لعوامل النجاح أجري في أكثر من 20 مشروعاً في القطاع الخاص من المغرب ولبنان إلى المملكة العربية السعودية والأردن، أن بمقدور الشركات عند وجود قيادة قوية أن تحقق الكثير في مجال إيجاد الوظائف ضمن نشاطات أعمالها الرئيسية. ومن المؤكد أن هذا الأمر لا يحسّن فقط من سمعتها كمواطن صالح، بل يؤدي إلى دعم أعمالها. وبشكل موجز، فإن المشاريع التي تمثل الممارسات الناجحة تتبع أربعة أنماط مختلفة: أولا: يمكن للشركات تقديم المساعدة من خلال تقديم خبراتها العملية الواسعة والتدريب لمن يغادرون المدارس والجامعات. وهذا يساعد على إدماج الشباب على نحو أفضل في العمل - ومن المشاكل الرئيسية في هذه المنطقة عدم التوافق بين المهارات التي يقدمها النظام التعليمي وما تبحث عنه الشركات الموظفة في الواقع العملي. وفي هذا الإطار فقد نظمت شركة دبي للألومنيوم دورات ما قبل التوظيف، في مشروع أسهم في مضاعفة عدد الموظفين من المواطنين، بمن في ذلك الإناث، وأسهم كذلك في مضاعفة عدد المديرين من المواطنين. ثانياً: يمكن للشركات أن تبحث ضمن نشاطاتها لإيجاد وسائل لتنشيط ودعم وظائف جديدة مرتبطة بمنتجاتها وعملياتها وقنوات الإمداد والتوزيع التابعة لها. وفي هذا الصدد، فقد أتاحت"مجموعة سكيم"في جمهورية مصر العربية فرصة للحياة الكريمة لألفين من صغار المزارعين، إضافة إلى ستة آلاف ممن يعيلونهم، وذلك من خلال إتاحة فرصة التعامل مع منتجات زراعية عالية القيمة، وكذلك عن طريق توفير التعليم لهم. ووضعت شركة عبداللطيف جميل التي يرأسها المؤلف سلسلة من برامج خدمة المجتمع، تهدف إلى إيجاد فرص عمل لآلاف الشباب السعودي ذكوراً وإناثاً في كل عام. ويهتم أحد هذه البرامج ببناء طاقم جديد من سائقي ومالكي سيارات الأجرة، من خلال توفير قروض تمويل للسيارات بشروط ميسرة. ويلتفت برنامج آخر إلى المشاريع الصغيرة من خلال تقديم قروض صغيرة متلازمة مع التدريب، لمطابقة مجموعة المهارات المطلوبة في سوق العمل، واستهدف هذا البرنامج بصفة خاصة السيدات، بحيث سيؤمن هذا البرنامج أكثر من 16 ألف فرصة عمل جديدة في العام الحالي فقط. وعلى نطاق أكثر اتساعاً، تهدف مبادرة"غرامين - جميل"للعالم العربي www.grameen-jameel.com إلى إيجاد أكثر من مليون وظيفة بحلول عام 2011، من خلال برنامج قروض صغيرة، وتهدف المبادرة إلى الوصول إلى أكثر من 200 ألف عميل بنهاية العام الحالي 2007 من خلال تقديم الضمانات لمؤسسات القروض الصغيرة. ثالثاً: يمكن للشركات التعاون من خلال مشاريع شراكة في مجال التعليم والتدريب، تهدف إلى تحسين التدريب المهني والارتباط بين المدارس. وفي هذا الصدد تعمل شركة"إنجاز"في أنحاء المنطقة كافة لتجنيد دعم القطاع الخاص لتوفير خبرات العمل والتأهيل لأكثر من ستين ألف طالب. ومن جهة أخرى، تعمل مبادرة التعليم الأردنية التي يدعمها المنتدى الاقتصادي العالمي و"سيسكو للنظم"وجهات أخرى، على تسهيل توفير المناهج وتكنولوجيا المعلومات للمدارس، للوصول إلى أكثر من خمسين ألف طالب في أنحاء الدولة كافة. وأخيراً، يمكن للشركات وضع برامج للتواصل تسمح بوضع إداراتها ومهارات التطوير لديها تحت تصرف برامج اجتماعية مستدامة، تشجع انطلاق المشاريع الجديدة. ويمكن لبعض الشركات تدريب الشباب العاطلين عن العمل في مجالات اقتصادية تعاني من نقص في المهارات، كمجال الخدمات وتكنولوجيا المعلومات والمهارات الحرفية. ومن الأمثلة على ذلك برنامج شباب الأعمال الذي يدعمه صندوق المئوية في المملكة العربية السعودية، ضمن منتدى قادة الأعمال الدوليين IBLF، ومبادرة مهن الشباب في قطاع الفنادق بالأردن. وفي مبادرة أخرى، قامت مؤسسة ساويرس بدعم من"أوراسكوم"في مصر بتدريب ما يقرب من ألف من الخريجين لشغل وظائف في قطاع التمريض. ومن المؤكد أن دعم النمو المستدام في مجال الاقتصاد عامة ومجال تطوير المشاريع للشباب خاصة يعد أمراً مبرراً، بل مفيداً من وجهة نظر قطاع الأعمال. إننا بحاجة لجعل نشاطاتنا العملية وأولوياتنا تتماشى مع ضرورة تنمية المشاريع في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أن تأثيرنا سوف يكون كبيراً حين نتجاوز المناقشات والتبرعات، ونقوم بتطبيق مهاراتنا العملية وفكرنا الاستراتيجي. وعلينا العمل معاً على بناء شراكات مع آخرين في قطاع الأعمال، ومع الحكومات، وكذلك مع المنظمات الخيرية. وبالتأكيد فإن إيجاد ثمانين مليون وظيفة ليس بالأمر السهل، بل إنه تحدٍ كبير يتطلّب حشد كل مواردنا لنتمكن من تقديم المساعدة. وعلى كل فإن المورد الأكبر الذي يمتلكه قطاع الأعمال هو روح المبادرة والتكيف والاستعداد دوماً للتعلم من النماذج التي أثبتت فاعليتها. * رجل اعمال سعودي - رئيس مجموعة عبداللطيف جميل السعودية ورئيس مجلس إدارة منتدى قادة الأعمال الدوليين IBLF للشرق الأوسط. ** الرئيس التنفيذي المؤسس لمنتدى قادة الأعمال الدوليين.