تلقيت العديد من الدعوات للانضمام الى موقع"فايس بوك"، لكنني كنت أحجم عن المبادرة لظني أنه أحد المواقع التي يعتقد بعضهم أنه يتعرف الى نصفه الآخر من خلاله أو لإقامة علاقات"عابرة للقارات". وأخيراً، خضعت لإصرار صديق لي روى أنه استخدم الموقع للتواصل مع أحد الأصدقاء القدامى بعد أن فقد الأمل من إعادة التواصل معهم. والمعلوم أن مصطلح"فايس بوك"Face Book يشير الى الكتاب التعريفي الذي يسلم للطالب الجديد في الجامعات الغربية، ليكون دليله فيها. لذا، عندما أسس مارك زوكربيرغ الموقع في العام 2004، جعل استعماله محصوراً بطلاب الجامعات، ثم فتحه أمام كل من يملك بريداً إلكترونياً. وراج الموقع في فترة وجيزة. بل اشارت بعض التقارير إلى أن أرباحه الصافية تجاوزت خمسين مليون دولار في العام 2006، وراج خبر يقول إن شركة"ياهوو"عرضت بليون دولار لشرائه، في حين ذكرت معلومات أخرى أن شركة"غوغل"عرضت 2،3 بليون دولار مقابل الموقع عينه. وقدّر أحد أعضاء مجلس إدارة الموقع أخيراً قيمة الموقع بنحو ثمانية بلايين دولار، متوقعاً أن يحقق أرباحاً بمقدار بليون دولار في العام 2015. هذا حديث الأرقام، فماذا عني أنا؟ أعطاني"فايس بوك"نافذة للتواصل مع الأصدقاء القدامى والتجسس على صور بعضهم. وكذلك أتاح فرصة للتواصل مع بعض أفراد الجنس الناعم بصورة حضارية راقية. منذ اليوم الأول، أحسست ب"الإدمان"على الموقع، فبت أجلس ساعات طويلة ابحث وأتحرى مواقع أصدقائي لعلي أجد في لوائحهم صديقاً مشتركاً فقدته في أيام صعبة. وفي غضون أسبوع، اتسعت دائرتي لتضم أكثر من 250 شخصاً. وبدأ بعضهم يتندر حول إمكان خوضي الانتخابات اللبنانية على خلفية مشاركتي الفاعلة في"فايس بوك"! وبصفتي شخصاً اجتماعياً يحرص على بناء علاقات قد يستثمرها لاحقاً، صنعت مجموعة جديدة أطلقت عليها أسم"حرب لبنان"، وحمّلت صفحتي عدداً من الصور التي التقطتها يوم كنت صحافياً في بلاد الأرز. وأفسحت المجال أمام الجميع للمشاركة من خلال تحميل الصور أو المشاركة بالقصص والذكريات الأليمة من أيام الحروب السود. يشهد الموقع حالياً نجاحاً كبيراً، واكثر ما يميزه أنه أصبح يشكل منبراً متوازناً للتباحث بكيفية الخروج من الأزمة: أزمة الهوية والوطنية. اللافت ان معظم المتحاورين لا يعرفون بعضهم البعض. كنت أنا شخصياً الرابط الوحيد بينهم، فيما دعا بعضهم أصدقاءه، فصار العدد يتضخم ككرة الثلج. تنمّ الصور والتعليقات والخبريات والتوقعات والآمال عن فطرية سياسية لبنانية عامة، بصرف النظر عن اللون السياسي. وتسير أمور"الحوار اللبناني"في جو ديموقراطي على موقع"فايس بوك". ولا يتحرج بعضهم في إسماع آرائهم للغير من دون تعصب. كما يحاول آخرون شرح لبنانيتهم من خلال تصوير حال القرف السياسي لديهم من الطبقة الحاكمة أو الطبقة السياسية الموجودة، على رغم انتماء معظمهم الى تيارات سياسية فاعلة.