يضحك كيفن حين يتذكر كيف طرد تلك المرأة التي طرقت بابه في "ساعة نحس"، لتوعيته من أخطار استعمال أكياس التسوّق البلاستيكية. تركها تتحدث وحدها، دخل المطبخ، حمل ما توافر أمامه من أكياس بلاستيكية وعاد ورماها في وجه"المسكينة"صارخاً:"هي تزعجني مثلما تزعجينني، خذيها واحرقيها بعيداً". حينذاك، كان كيفن يتخبّط في دعوى طلاق رفعتها عليه زوجته، فضلاً عن مشكلاته اليومية في مكان العمل الذي يكرهه. ولم يكن ينقصه التفكير في أن"كيساً بلاستيكياً سخيفاً قد يهدد هذا الكون". لعل كيفن لا يعرف أن الكيس البلاستيكي"السخيف"يتكاثر بقوة وينتشر باطّراد في الولاياتالمتحدة والعالم. ويتخلّص الأميركيون، كل سنة، من 100 بليون كيس بلاستيكي يجمعونها من مراكز التسوق وحدها، من أصل 380 بليوناً لاستعمالات مختلفة، 0.6 في المئة منها فقط تخضع لإعادة تصنيع. أما على مستوى العالم، فقد ذكرت مصلحة حماية البيئة في الولاياتالمتحدة ان حجم استعمال الاكياس البلاستيكية يتراوح بين 500 بليون وتريليون كيس سنوياً، وتشير مصادر اخرى، مثل فرع البيئة في مدينة سان فرانسيسكو، إلى ان الاستهلاك العالمي السنوي يصل إلى نحو 5 تريليوناً كيس سنوياً. وأخيراً أدركت مؤسسات أميركية كثيرة أخطار الاكياس البلاستيكية. وهذه السنة، انطلقت حركة مناهضة للاكياس البلاستيكية، نظراً إلى فداحة أضرارها البيئية، وتكاليف تصنيعها وإعادة تصنيعها، وتأثير ذلك في"استنزاف"مصادر الطاقة في العالم. "آيكيا"، سلسلة سويدية للمتاجر، تنتشر فروعها في مختلف أرجاء الولاياتالمتحدة، كانت من أوائل الذين اعتمدوا سياسة خاصة لخفض استهلاك الأكياس البلاستيكية. ويختلف المشهد مع زبائن"آيكيا"عن غيره في متاجر أخرى. فقد درجت العادة ان يخرج الناس من المحال، حاملين اغراضاً داخل اكياس بلاستيكية. وأما زبائن"آيكيا"في مدينة كانتون في مقاطعة واين، ولاية ميشيغن، فقد تعوّدوا منذ آذار مارس الماضي، على احضار اكياسهم الخاصة من المنزل قبل دخول المتجر ليجمعوا فيها مشترياتهم. وهذه الخطوة هي جزء من حملة، عنوانها"أحضر كيسك"، أطلقتها الشركة بهدف تقليص عدد الاكياس البلاستيكية التي تستعملها في متاجرها كافة داخل الولاياتالمتحدة، من 70 مليون الى 35 مليون كيس في السنة الاولى، ثم السعي الى رفع هذه النسبة سنوياً كلما ازدادت قناعة الزبائن بالفكرة وجدواها. والذي ينسى أكياسه في المنزل، يدفع 5 سنتات مقابل كل كيس يحتاجه لتوضيب اغراضه. وبذلك تكون"آيكيا"ألغت السؤال الروتيني الذي يوجّه الى الزبون في اي متجر اميركي:"اتفضّل كيساً بلاستيكياً ام ورقياً؟ واستبدلته ب"هل أحضرت كيسك"؟ وإذا كانت ولاية ميشيغن تخلّفت قليلاً عن سواها في تطبيق حلول صارمة شعبياً ورسمياً، قطعت مدينة سان فرانسيسكو في كاليفورنيا، اشواطاً في هذا المجال. ففي 27 آذار مارس الماضي، صوّت مجلس بلديتها على قرار يمنع استعمال الاكياس البلاستيكية في السوبرماركت ومحال بيع الكحول والسجائر، هذه السنة، على ان يشمل الصيدليات، السنة المقبلة. وسيؤدي قرار المنع الى توفير 450 الف غالون من النفط سنوياً تستخدم في تصنيع هذه الاكياس، كما ستنتفي الحاجة الى طمر 1400 طن من النفايات البلاستيكية سنوياً، خصوصاً ان هذه الاكياس تبقى في الارض نحو 10 قرون، قبل ان تتحلل. راغدة التي تعش في مدينة ديربورن، توافق على منع استعمال الاكياس البلاستيكية في أنحاء البلاد. فهي لم تعِ خطورتها الا متى كادت تخسر ابنها البالغ 3 سنوات من العمر، فقد أدخل رأسه في كيس نايلون للاختباء من والدته، وكاد يقضي اختناقاً. ومذ ذاك، قضت راغدة على كل أكياسها. وصارت تحمل حاجاتها من السوبرماركت القريب في عربة التسوق. ولكن ما الذي تستطيعه راغدة حين تتطاير الأكياس البلاستيكية حول منزلها مع العواصف الصيفية التي تهب كثيراً على ميشيغن، وتحط في حديقة منزلها الخلفية، حيث يقضي الاولاد معظم اوقاتهم؟ وهل يمكنها تسلق الاشجار المحيطة للتخلص من الاكياس العالقة بين أغصانها وأعشاش العصافير؟ بعض الشركات وجد حلولاً للتبضع وتقليص استهلاك الاكياس البلاستيكية، إذ صنّع اكياساً بأحجام واشكال مختلفة تدوم مدى العمر. وتزامنت حملة"أحضر كيسك"في"آيكيا"مع حملة"أكياس كبيرة زرق"، Big Blue Bags، سعر أحدها 59 سنتاً فقط. ويبقى الكيس صالحاً للاستعمال 1000 مرة قبل استبداله بآخر. وبعد النجاح الكبير لحملة"لستُ كيساً بلاستيكياً"في متاجر"آنيا هندمارش"في لندن، اطلقت الحملة نفسها في بعض المدن الأميركية في 20 حزيران يونيو الماضي، وهي تهدف الى بيع اكياس تسوق مصنوعة من القطن الخالص بكلفة 15 دولاراً. وتسوق بعض الشركات عبر مواقعها على الانترنت ومنها"ايفيروساكس"- التي شرعت في توصيل بضائعها الى الولاياتالمتحدة الاميركية - اكياساً مصنوعة من الالياف العضوية بالوان واشكال مختلفة. محاولات تليها محاولات قبل أن يُعرف نجاحها أو فشلها. حتى أن أوبرا وينفري روّجت في احدى حلقات برنامجها الشهير ل"كيس اوبرا"للتسوق والمصنوع من قطن الكنفا. كلها محاولات بعضها جدي ورسمي، وبعضها الآخر بدائي وفردي لتطويق انتشار الاكياس البلاستيكية قبل ان تلف هذا الكوكب الملوّث كما تُلفّ الجثث.