اقر حزب العمال البريطاني بصورة رسمية اختيار غوردون براون زعيماً له، خلال مؤتمر استثنائي عقده امس في مدينة مانشستر، شمال انكلترا. وبهذا اصبح الطريق ممهداً بشكل طبيعي امام براون لخلافة توني بلير في منصب رئيس الوزراء، بعدما قرر الاخير التخلي عن المنصب الذي شغله خلال السنوات العشر الماضية، وتقديم استقالته الى الملكة اليزابيت الثانية بعد غد الاربعاء. واختار حزب العمال ايضاً هارييت هارمان وزيرة العدل نائبة لرئيس الحزب، بعد فوزها في المنافسة على هذا المنصب، وليس معروفاً بعد اذا كان براون سيعينها نائبة لرئيس الوزراء ايضاً كما فعل توني بلير مع نائبه جون بريسكوت. وبوصول براون 56 عاما الى رئاسة الوزراء يكون قد حقق حلماً قديماً يعود الى العام 1994 عندما كان يفترض ان ينافس صديقه القديم توني بلير على الزعامة. لكن بلير"اقنعه"بالتخلي عن المنافسة مقابل اختياره نائباً له، وعندما فاز حزب العمال في انتخابات العام 1997 التي وصل بلير بنتيجتها الى رئاسة الوزراء جرى الحديث عن"صفقة"بين بلير وبراون يتخلى بموجبها الاول عن المنصب، بعد دورتين انتخابيتين، لمصلحة براون. غير ان ذلك لم يحصل وقاد بلير حزبه الى الفوز بثلاث دورات انتخابية متتالية، وهو انجاز تاريخي بالنسبة الى حزب العمال البريطاني. وقد ادى تراجع بلير عن"وعده"الى علاقة بين الرجلين شابتها مشاعر الشك والحذر والخصومة احياناً كثيرة، وتحولت الى مصدر خصب لتعليقات الصحف ورواياتها حول"الحرب"غير المعلنة بين"معسكري"براون وبلير. وتعتبر شخصية الرجلين مختلفة تماماً. فبراون اقل ميلاً الى النزعة"الرئاسية"التي طبعت حكم بلير، حتى قيل ان تعامله من المنصب كان اقرب الى نسق الرئاسة الاميركية او الفرنسية منه الى ما اعتاد عليه البريطانيون من رئيس حكومتهم. كما ان براون ابن قس اسكتلندي ويفاخر بانه ورث من والده صفات المواظبة على العمل والاهتمام بمصالح الفئات المحدودة الدخل. وباستثناء الخلاف في نسق ادارة العمل الحكومي، فان من الصعب العثور على فوارق اساسية في النظرة السياسية بين بلير وبراون، ما يدفع الى توقع أن تكون فترة براون مجرد استمرار ل"عهد"بلير. ولن تستمر هذه الفترة على كل حال اكثر من سنتين كحد اقصى يفترض ان يدعو براون بعدها الى انتخابات عامة. وقد اظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة"ذي اوبزرفر"امس ان حظوظ حزب العمال تحسنت بنسبة 4% مع تولي براون زعامته. وينتظر أن تستمر السياسة الداخلية على حالها في المرحلة المقبلة. فالجانب الاقتصادي هو اساساً من صنع براون الذي شغل منصب وزير الخزانة في حكومات بلير. اما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فسيحافظ براون على العلاقة الوثيقة مع الادارة الاميركية، كما اكد في الخطاب الذي القاه امس انه لن يسحب القوات البريطانية بصورة سريعة من العراق، مع دعوته الى"تعلم الدروس"من تلك التجربة. اما بالنسبة الى مواجهة مخاطر الارهاب، فقد ذكر ان ذلك لا يتحقق بالقوة العسكرية وحدها بل لا بد من"كسب العقول والقلوب في بريطانيا وحول العالم". واعتبر ان المدخل لذلك هو تحقيق تسوية في الشرق الاوسط تقوم على اساس دولتين، اسرائيلية وفلسطينية.