ما أن توكل المعلمة غيتا رئاسة الفصل الى سالي حتى يدب الانقسام في الفصل، آخذاً شكلاً جندرياً، فمع تصاعد "الحرب الهوجاء" بين التلاميذ الرافضين رئاسة سالي والتلميذات المتصديات لهم تبدأ حبكة قصة "معاناة رئيسة" للكاتبة اليمنية سلمى عبد الغني. عندما نشرت مجلة"طيارة ورقية"صيف 2004، القصة الاولى لسلمى، لم يكن أحد يعرف شيئاً عن هذه الكاتبة، وكانت لافتة الاشارة التشجيعية التي وجهتها هيئة تحرير المجلة للكاتبة، لأن سلمى حينها لم تكن تجاوزت العشر سنوات. وبحسب سلمى فإن قصة"معاناة رئيسة"نتاج تجربة شخصية عاشتها الكاتبة في الصف الرابع وعندما نقلت معاناتها هذه الى والدها نصحها بكتابتها. الا أن التخيل بدا اضحاً في"معاناة رئيسة"التي يقوم فيها السرد على ضمير المتكلم وهو هنا الرئيسة سالي. فهي وإن لم تخف غبطتها وفرحها برئاسة الفصل لكنها في سردها للأحداث تبدو على قدر من الحياد: تقدم سلبيات الذكور والإناث من دون تحيز. حتى محمد خصمها اللدود"العقل المدبر"الذي أعطى أمراً للأولاد بعدم الاعتراف برئاستها والذي هدد كل من يخالف ذلك بعدم اللعب معه أو التحدث اليه، فأن الراوية، خصمه، لا تنكر إيجابياته ومنها سلطته على الأولاد وسيطرته على نفسه انها على خصومة شريفة وهي لا تبتعد كثيراً عن محمد سوى في كونها ذات شرعية استمدتها من تكليف المعلمة لها. وهي تسلك مسلك خصومها"من لا يريد أن ينضم الي اترُكه ومن يخون لا يكون صديقي". سلمى التي تكتب متى كان مزاجها"حلواً"ربما شاءت من"معاناة رئيسة"أن تروي تجربتها الشخصية وجاء عملها تجديدياً... فالانقسام على أساس الجنس أثارته الأعمال الحداثية للحركات النسوية العالمية. وفي انطلاقها من الصف الثاني الابتدائي لسبر هذا الانقسام تغدو"معاناة رئيسة"اقرب الى الحفر في بؤر التمايز بين الذكور والإناث ومثل هذا الأمر لا يبدو مقصوداً عند الكاتبة التي تقول أنها تتمنى مستقبلاً الكتابة بالعربية والانكليزية. القوة الفنية ل"معاناة رئيسة"تكمن في أسلوبها التلقائي وبساطة اللغة وفي بنيتها السردية الخالية من التكلف والمحمولات الخطابية العامة وهي أشبه بالمذكرات تصف ما يجري بغير انفعال أو إصدار أحكام. حتى عندما يرتبط الأمر بموضوعات تنتمي الى الفضاء العام مثل أسلمة التعليم، من خلال شخصية معلمة التربية الإسلامية التي يترك حديثها حول جهنم وأولئك الذين يؤدون الصلاة نفاقاً اثراً عميقاً في نفس بطلة القصة، فإن تناول ذلك يتم بواقعية لا تحمّل الحديث تلك النبرة التي نجدها في أعمال أدبية لبعض كبار الكتّاب وفي هذا السياق يكتفي التلاميذ بالرد على الرائحة الكريهة الصادرة من قدمي المعلمة، غير ان الحياد والصدقية سرعان ما يتلاشيان في قصصها اللاحقة، اذ يبدو ان الاستقبال الجيد الذي قوبلت به"معاناة رئيسة"من جانب بعض المثقفين المقربين الى سلمى أثر سلباً حيث راحت الكاتبة تنغمس في الخطاب العام بما هو شرك للكاتب يبعده عن النبع الصافي للكتابة. فكتابات سلمى اللاحقة جاءت موجهة شكلاً الى الأطفال بمضامينها التقليدية التي تتناول موضوعات السحر والمردة والفقر والثراء والحسد. والأرجح ان وقوع سلمى تحت سطوة القول العام"لأن الكبار لا يهتمون بالكتابة للصغار"يعد الخطأ الكبير الأول للكاتبة. سلمى التي قرأت للتركي عزيز نيسين وهيجو وبلزاك وعدد من ابرز الكتاب العرب والأجانب تبدو عرضة لخطر الوقوع في مهاوي الفضاء الاجتماعي السياسي الذي ما أنفك يشكل مصدر تلويث للموهبة. وفي الكتابة تستخدم سلمى القلم تارة والحاسوب تارة أخرى وهي لا تشاهد التلفزيون سوى نحو ثلاث ساعات في الأسبوع مفضلة الأفلام على ما عداها. تختتم سلمى قصتها بسؤال"ترى كيف سيكون العام الدراسي القادم مع هؤلاء الأولاد الظريفين؟"للوهلة الأولى تبدو الخاتمة زائدة غير لازمة. لكن فيها دلالات تشير الى اللانهائية والاستمرار كما تنطوي صفة الأولاد الظريفين على الإيحاء بأن كل ما جرى من أحداث وصراعات مجرد لعب كما تشي بإحالة الى خطاب المنتصر الذي يحلو له ان يجد في هزيمة خصمه مصدراً للتندر والتهكم من خلال اسباغ صفات غير موجودة فيه مثل الظرافة، هذه الإيحائية هي ما يُخشى ان تفقدها كتابة سلمى في قادم الأيام.