ردّت أستونيا بعنف على "الحرب التجارية" التي أعلنتها عليها روسيا، بعد إزالتها نصباً يخلّد الجنود المحرّرين السوفيات من إحدى ساحات عاصمتها تالين. وكانت الدولة البلطيقية التزمت الصمت،على رغم مقاطعة بضائعها في الأسواق الروسية بدعوة من القادة السياسيين، ووقف هيئة السكك الحديد الروسية شحن الفحم الحجري والمشتقات النفطية عن طريق الموانئ الأستونية، وكان آخرها تحويل جزء كبير من صادرات النفط الروسي إلى أوروبا من موانئها وتصديره عبر ميناء "سانت بطرسبورغ" الروسي. ورفضت أستونيا أمس استقبال المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، المُشرف على مشروع خط أنابيب الغاز الروسي الذي يصل إلى شمال أوروبا، إذ رفض رئيس الوزراء الأستوني استقبال شرودر واعتبره ضيفاً"غير مرغوب به"، معللاً الرفض بمواقف المستشار الألماني السابق الداعمة لروسيا، والمُنددة بإزالة تمثال الجندي السوفياتي المُحرر. وأعلن وزير الاقتصاد الأستوني تأجيل البتّ في قرار بلاده بشأن مد خط الغاز الروسي في قاع بحر البلطيق، وطالب باجتماع الدول الواقعة على حوضه، لمناقشة الآثار البيئية لهذا المشروع، ما يعني عملياً تأجيل البدء ببناء خط أنابيب الغاز عن الموعد المقرر في بداية السنة المقبلة، وممارسة ضغوط إضافية على روسيا. وأشار خبراء إلى أن موقف تالين هذا يأتي في إطار سياسة"شد الحبال"بين موسكو وتالين". واعتبروا أن الطرفين خاسران في هذه المعركة، إذ لا تستطيع روسيا في الوقت الحالي الاستغناء عن موانئ الدولة البلطيقية المتمرّدة، كما لا ترغب أستونيا في خسارة مصدر مهم من مصادر دخلها. ولفتت مصادر مقرّبة من الكرملين مقر الرئاسة الروسي أن خسائر أستونيا من تأخير بت مسألة مد خط أنابيب الغاز عبر مياهها التجارية في قاع بحر البلطيق، كلّفتها في العام الماضي أكثر من 400 مليون دولار، نتيجة رفع"غازبروم"أسعار الغاز الروسي إلى 260 دولاراً لكل ألف متر مكعّب، من 90 دولاراً في 2005، أي ما يشكّل ثلاثة في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي. المراهنة على الإتحاد الأوروبي وتراهن أستونيا على إقحام موضوع الخلاف، في جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي وروسيا، المزمع عقدها في مدينة سمارى الروسية في 18 من الشهر الجاري. وستحاول أستونيا فرض كلمتها وتكرار سيناريو ال"فيتو"البولوني، الذي عطّل في نهاية العام الماضي التوصل إلى اتفاق التعاون والشراكة الاستراتيجية بين روسيا والاتحاد، بعد قرار موسكو وقف استيراد منتجاتها من الخضار واللحوم. لكن موسكو، وإن تأثرت بالخطوة الأستونية، ما زالت تعتبر أن الظروف ستكون لصالحها في الأشهر القليلة المقبلة، إذ ان الصيف يساعدها على الوفاء بالتزاماتها عن طريق موانئها الشمالية بعد ذوبان الجليد، كما ان أوروبا لا يمكنها الاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين، وهي أيضاً في حاجة ماسة لتمديد عقد الشراكة في أسرع وقت، إضافة إلى المراهنة على أن تالين لن تتمكن من تحمل تبعات المقاطعة الروسية، وستوافق عاجلاً أم آجلاً على إكمال المشروع ومدّه عبر مياهها الإقليمية. دور ألمانيا ولفتت مصادر روسية إلى أن الحكومة الروسية تعوّل على موقف ألمانيا الذي سيقوم بالضغط على أستونيا، لإنهاء مشروع مدّ"أنابيب غاز الشمال الأوروبي"، خلال فترة توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي حالياً التي شارفت على الانتهاء، بهدف تحقيق ما عجزت عنه فنلندا في العام الماضي بخصوص بولونيا. يذكر أن خط أنابيب غاز الشمال الأوروبي نورث ستريم سيمد ألمانيا ودول شمال أوروبا بالغاز الروسي. ومن المقرر أن يبدأ العمل في إنشائه في بداية عام 2008، وينتهي في عام 2010. وبيّنت الدراسات الأولية الحاجة في تعديل مساره من المياه الإقليمية لروسياوفنلندا، نحو المياه التجارية الأستونية بسبب عدم صلاحية قاع البحر في المناطق المتّفق عليها سابقاً، ما منح سلطات تالين فرصة للتحكم في مصير خط الغاز، وجعل كلمتها الأخيرة حاسمة.