لا يبقى إلا طيب الذكر، وذاكرة الناس تنبض بالحيوية، هناك مواقف تحفر جذورها في الذاكرة، وهي مواقف تصدر عن مبادئ عميقة الجذور. قبل عشرة أيام كنت أتحدث هاتفياً مع أحد الإخوة من محافظة الليث في منطقة مكةالمكرمة، والموضوع إشكال في إيصال التيار الكهربائي لبعض قرى المحافظة. قام لاحقاً، رئيس شركة الكهرباء بحسمه، مشكوراً، وفرح الأهالي هناك بالنور والماء البارد. صديقي"الليثي"تحدث عما يحمله أهالي الليث من محبة وعرفان للأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز رحمه الله وغفر له، ما زالوا يتذكرون ما أحدثته زيارته الأولى للمحافظة من نقلة نوعية وزخم في الخدمات مقارنة بما كان وضعها عليه قبل توليه إمارة منطقة مكةالمكرمة، لم تكن هناك سفلتة فتحسنت الأوضاع، وحرص الأمير الراحل على إنشاء جمعيات خيرية، ومراكز للخدمة الاجتماعية، ولجنة لإصلاح ذات البين هناك، ومشروع تحلية المياه وغيرها. واهتمام الأمير عبدالمجيد بالمناطق الفقيرة وأهاليها كان اهتماماً خاصاً، معها يستطيع الإنسان أن يتبين صدقية المشاعر وحقيقة أنها تنبع من القلب، شعرت بذلك وأنا أنصت لحديث صديقي الليثي وهو ينهمر، لم نكن نعلم أنا وهو أن القدر كان يخبئ لنا خبراً محزناً. ولأن الأمير الفقيد يعلم أحوال الأهالي رفض عند زيارته لهم أن يتكلفوا لإقامة احتفالات الضيافة، وتكفل بها أمير المنطقة، حتى"صيوان"إقامة الحفلة احضره معه، يقول صديقي"الليثي"إن أهالي الليث كانوا يشعرون لدى قدومهم الى أمير المنطقة بحفاوة واهتمام خاص، وفي مشهد آخر حضر بعض طلبة المحافظة للمشاركة في احتفال للمتفوقين في جدة، وعندما انتهت الحفلة وأقبل الليل وهمّ الجميع بالانصراف، استبقاهم الأمير عبدالمجيد، وأسكن طلاب محافظة الليث في الفندق على حسابه لأنه كان يعلم خطورة الطريق و"الصباح رباح". الذكر الطيب يبقى في الأرض والناس شهود على ظهرها، هذا نموذج ترسّخ في ذاكرة مواطن، ولا بد من أن هناك قلوباً كثيرة لبسطاء الناس في تبوك والمدينة المنورة ومنطقة مكةالمكرمة تحمل الكثير من الوفاء العطر لفقيد الوطن"أبو فيصل"، وتلهج بالدعاء له، والخسارة كبيرة، فقد فَقَدَ الوطن رجلاً امتلأ بالحيوية، وتعددت نجاحاته في مناطق عدة، والعزاء لخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وللعائلة المالكة الكريمة، ولنجله الأمير فيصل ووالدته الكريمة، والأمل بالله تعالى أن يسبغ وافر رحمته ومغفرته على الأمير الراحل، ويلهم الجميع الصبر والسلوان، ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه. [email protected]