استحدثت في السنوات القليلة الماضية، مسابقة صحافية عن التراث الثقافي الأورو- متوسطي، بكل أشكاله من مواقع أثرية ونصب تذكارية ومتاحف ومخطوطات ومكتبات، إضافة الى التراث المعنوي المتمثل في تقاليد المجتمعات غير المكتوبة والمهرجانات والموسيقى والغناء والمعرفة المرتبطة بالمهارات الحرفية والتقليدية. وتشرف على المسابقة المفوضية الأوروبية، من طريق الوحدة الإقليمية للإدارة والدعم التابعة لبرنامج التراث الأورو- متوسطي، با لتعاون مع عدد من الهيئات الدولية مثل اليونيسكو والاتحاد الدولي للصحافيين وفرعه الأوروبي الإقليمي في بروكسيل، ووكالة "أنساميد" الإيطالية للأنباء. والمسابقة موجهة الى الصحافيين الأوروبيين والمتوسطيين من دول الاتحاد الأوروبي والدول العشر الأعضاء في الشراكة الأورو- متوسطية المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، فلسطين، الأردن، لبنان، تركيا وإسرائيل. وتهدف المسابقة إلى تحفيز الاهتمام الإعلامي بقضايا الثقافة المرتبطة بالتراث الثقافي المعرّض لخطر الإهمال والاندثار أو التجاهل، والتعريف به من أجل الحفاظ عليه وصيانته وتأهيله، نظراً الى الدور الحيوي للإعلام في حشد الرأي والتأثير في دوائر صنع القرار وتعديل القوانين في مجال ثقافي حساس قلما حظي بالأولوية في السياسات الحكومية. وتسعى المسابقة أيضاً الى تشجيع التعاون بين شمال حوض المتوسط وجنوبه، إضافة الى تحفيز الصحافيين الشباب على الكتابة عن التراث الثقافي في المنطقة المتوسطية، وتشكيل لائحة للصحافيين المهتمين بالتراث الثقافي على النطاق الأورو- متوسطي. وعلى رغم أن الجائزة دولية وذات بعد متوسطي بغية تفعيل الترابط الجغرافي والثقافي عبر وسائل الإعلام، وحماية التراث المشترك في منطقة حوض المتوسط وتثمينه، إلا انها مازالت غير معروفة في الأوساط الإعلامية المتوسطية، بسبب حداثة عمرها الذي لا يتجاوز 3 سنوات. وفاز في الدورة الثالثة للسنة الحالية الصحافي المغربي محمد الحمراوي من أسبوعية "لوروبورتير"، بالجائزة الخاصة للتراث الأورو- متوسطي 2007 التي تمنحها وكالة الأنباء المتوسطية "أنساميد" للصحافيين الشركاء في برنامج "ميدا". وذلك عن مقال حول المضاربات العقارية غير القانونية لنافذين في السلطة في قصبة الأوداية في الرباط، وهي معلم تاريخي عسكري يشرف على نهر أبي رقراق الذي يشهد حالياً أشغالاً لمشروع سياحي ضخم سيغيّر معالم العاصمة. وحصل الجزائري طارق حفيظ من يومية "لوسوار دالجيري" على جائزة التراث الأورو- متوسطي التي تمنحها المفوضية الأوروبية لصحافيين اثنين من دول "ميدا" والاتحاد الأوروبي عن مقال حول منطقة البريد الكولونيالية التي تعد قلباً اقتصادياً واجتماعياً نابضاً بالحياة وسط العاصمة الجزائر، في وقت تتهددها مشاريع الخصخصة، إلى جانب فوز صحافية من البرتغال عن مقال حول لغة يهودية آيلة الى الاندثار، من خلال بورتري ليهودية إسبانية تعيش في إسبانيا وتحاول الحفاظ عليها بأغان تراثية لم يعد يعرفها إلا قلة. وهذه المرة الثانية التي تفوز بها الصحافة المغربية بجائزة "أنساميد"، فيما سجل الصحافيون الجزائريون حضورهم سنوياً في هذه الجائزة بشقيها ويتضمن ذلك أيضاً حصولهم على تنويه لجنة التحكيم مرتين. ولفتت نادية بنسلام، الفائزة المغربية بالجائزة في دورة 2006 عضو لجنة تحكيم دورة 2007، الى جهل الصحافيين المغاربة بوجود هذه المسابقة الدولية، مشيرة الى انها علمت بها من طريق صديق مقيم في فرنسا مولع بتتبع الأخبار على الإنترنت، وشاركت بتحقيق صحافي عن مشكلات تدبير الإرث الإسلامي والكولونيالي التاريخي الضخم لمدينة تطوان التي سجلت مدينتها العتيقة الإسلامية الأندلسية على لائحة اليونيسكو للمواقع التراثية الإنسانية. وساهم نشر خبر فوزها في الصحافة المغربية في التعريف بالمسابقة في المغرب، لكنها لاحظت أن عدم نشر خبر فتح باب الترشيح للدورة الثالثة أثر في المشاركة المغربية. وأوضحت بنسلام ل "الحياة" ان أكبر مشاركة عموماً سجلت في الصحافة الصادرة باللغة الفرنسية، تليها الإيطالية، فالإنكليزية وأخيراً العربية. ولاحظت لجنة التحكيم أن دول "ميدا" العشر التي تعد العربية لغتها الأولى شبه غائبة في الجائزة الأورو- متوسطية، بسبب شرط ترجمة المقالات العربية إلى اللغتين الفرنسية أو الإنكليزية. وكانت إحدى أهم توصيات لجنة التحكيم لدورة 2007 العمل على نشر المسابقة الأورو- متوسطية على أوسع نطاق، الى جانب العمل على توفير ترجمة للمقالات العربية إلى الفرنسية أو الإنكليزية التي تقوم بها وكالة "أنساميد" من طريق قسمها العربي، بغية تذليل هذه العقبة وتحقيق الهدف من المسابقة الرامية إلى ترسيخ انخراط الإعلام المتوسطي في القضايا الثقافية في شكل أكبر. وكان فاز بالجائزة الأورو- متوسطية من دول "ميدا" صحافية من الأردن 2006 وأخرى من مصر 2005، وفاز من دول الاتحاد الأوروبي صحافي فرنسي 2005 وصحافي إيطالي 2006 وآخر برتغالي 2007. وتمنح مسابقة التراث الأورومتوسطي للفائزين جائزة مالية قدرها ثلاثة آلاف يورو، إضافة الى زيارة موقعين من مواقع التراث الأورو- متوسطي في بلدين من الضفتين، يكتب عنهما الصحافيان لاحقاً مقالات للنشر، وتتكفل المفوضية الأوروبية تكاليف السفر والإقامة، كما يحصل الحائز جائزة "أنساميد" على ثلاثة آلاف يورو أيضاً، ويتلقى تدريباً صحافياً في مقر الوكالة في نابولي.