تختتم اليوم في العاصمة المغربية الرباط، فعاليات المهرجان الموسيقي السنوي السادس"موازين: ايقاعات العالم"الذي حوّل الرباط إلى مدينة احتفالية، بمسارحها الفنية والموسيقية المفتوحة الموزّعة بين حديقة"نزهة حسان" في قلب العاصمة، ومسرح "محمد الخامس" و"دار المريني"العتيقة ذات الطراز المعماري الأندلسي. ورسّخ المهرجان في دوراته الخمس الماضية تقليد تقديم حفلات وسهرات فنية على مدار أسبوع كامل تتضمن عزفاً للموسيقى العالمية والمحلية وعروضاً فنية راقصة من مختلف مناطق المعمورة وتحوّل الرباط الى منصة كبيرة في الهواء الطلق، تلتقي فيها الثقافات والحضارات وتمتزج فيها الأجناس والألوان. ومنذ انطلاق"موازين"، تعاقبت على منصات العرض أمام الجمهور العريض المتعطش للاحتفال، فرق موسيقية من أفريقيا فرقة"موري كانتي"المالية و"كليلي"الكونغولية و"سامبا ماسترز"الأنغولية وأميركا اللاتينية "بوندا ديبيلو" البرازيلية و"كيلابايون"الشيلية وأوروبا "باكو غلبانيز"و"مانيتاس دي بالاطا" الإسبانيتين والوطن العربي فرقة أوبرا القاهرة. الى جانب أسماء فنية لامعة مثل عازف الكمان الفلسطيني جهاد عقل، وعازف الغيتار البرتغالي الشهير أنطونيو والمطرب المصري خالد سليم... واكتشف جمهور العاصمة في حفل الافتتاح قبل أيام في مسرح محمد الخامس إيقاعات موسيقية جديدة، آتية من البرتغال والبرازيل وأنغولا. وحرص منظمو المهرجان على هذا الاختيار، ليتذوق الحضور أنواعاً موسيقية لا تحظى بالإقبال الفني نفسه في بلد مثل المغرب، حيث هيمنة الأنغام الشرقية والموسيقى الغربية، بحكم سيطرة كبرى شركات الموسيقى على السوق العربية، ما يترك هامشاً صغيراً لأنواع الموسيقى العالمية الأخرى. وكانت ليلة الافتتاح محاولة للخروج من تلك السطوة الموسيقية على الآذان والأذواق، وفرصة للاستمتاع بأنغام السامبا والفادو والباتوكادا وكابويرا... المميزة للبلدان الناطقة باللغة البرتغالية. وأفسحت الدورة الحالية مجالاً كبيراً للجمهور المغربي ليتصالح مع موسيقاه الفولكلورية التراثية. فأعادت فرقة"المشاهب"والمطربة نعيمة سميح والفنانة الشعبية الحاجة الحمداوية الى الجمهور ذكريات البلد الجميل. ومن خلال لافتة بارزة كُتب عليها"جيل موازين" على مدخل بوابة حديقة"نزهة حسان"خارج أسوار المدينة العتيقة، وعبر الأصوات الموسيقية القوية المنبعثة من مكبرات الصوت، كان المارّة يتعرفون الى ما يجري في الداخل. ومن ألمَّ به الفضول، كُتب له أن يرى جيلاً جديداً من الفنانين المغاربة بتسريحات شعر وملابس غريبة عن التقليد العام، شباب يحتفل بميوله الفنية بطريقته الخاصة، يعبر عن طموحاته ومشاعره الخفيّة، باحثاً عن ذاته بين الموسيقى الغربية وانشغالاته الحياتية البسيطة، موظفاً موسيقى ال"هيب هوب" الأميركية، مختلطة بتعبيرات من العامية المغربية والفرنسية المحرّفة وحركات بالأيدي والأصابع، احتفالاً بالشباب وربيع الحياة... ومع عروض عشر مجموعات شبابية، كانت الأجساد تنخرط في الرقص، والأضواء تلقي بأشعتها من منصة العرض على الحشود، وتخلق تواطؤاً بين الجميع، فتتناثر مجموعات من الجمهور في فضاء الحديقة للتباري على أداء أجمل الحركات، في الوقت الذي كانت الفرق الموسيقية تتنافس على كسب المراتب الأولى المخصصة للمتألقين من المبدعين الشباب. وراهن المهرجان على الشباب المقبل على إتباع كل جديد، ليصرف طاقاته في التعبير الفني والجمالي، ويبدد ذكرى وهواجس التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي كان حطبها المراهقون والشباب. ويسعى مهرجان"موازين" الدولي ليكون الباب المفتوح أمام عالم تبرز فيه أكثر التعبيرات الثقافية حيوية، عبر الإيقاعات والموسيقى، ليعكس مجتمعاً تعددياً ومتسامحاً، غنياً باختلافاته وتبنيه مبدأ الانفتاح. وتوحي تسمية المهرجان المستمدة من مفهومي التوازن والإيقاع مجتمعين، بتوازن التنوع الثقافي للقارات المدعوة للمهرجان، وتوازن بين التيارات الموسيقية التقليدية والحديثة.