"ساندي بل"، "بيل وسيباستيان"، "عائلة روبنسون كروزو" فلونة، وسواها من المسلسلات الكرتونية ذات الصبغة الاجتماعية والإنسانية القائمة على حكايات شبه واقعية، باتت لا تجد لها متسعًا في خريطة برامج الفضائيات المتخصصة بأفلام "الكرتون"، ولا حتى في قائمة البرامج الأكثر مشاهدة لدى الأطفال. ذلك ان المسلسلات والأفلام الكرتونية"العنيفة"، والقائمة إما على شخصيات أسطورية"خارقة"ك"سبايدر مان"و"بات مان"و"سوبر مان"و"سلاحف النينجا"وسواها، أو تلك المبنية على خيال علمي تصوري لما سيحدث في المستقبل بعد عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر، حلت بديلاً عن تلك التي كان يفضلها الآباء والأمهات الحاليون. وتؤكد سعاد عبدالرحيم مدرِّسة على أنها وبنات جيلها، وربما الذكور أيضاً، كانوا ينحازون إلى المسلسلات الكرتونية ذات الطابع الاجتماعي، إن جاز التعبير، وتقول:"مثل هذه المسلسلات الكرتونية لم تعد موجودة على قنوات الرسوم المتحركة، ونادراً ما نجدها على قناة هنا أو هناك، في الساعة التي تخصصها بعض القنوات للأطفال، وفي حال وجودها فإنها لم تعد قادرة على جذب انتباه أطفالي كما كانت تلفت انتباهي، وتجعلني أتسمر لساعات أمام شاشة التلفزيون". وتضيف:"يبدو أن الذائقة العامة للأطفال تغيرت، واعتقد بأن التطور التكنولوجي السريع، وما يحيط بنا من أحداث عنف وقتل وصراعات، جعلت الأطفال، خصوصاً في فلسطين، أكثر تعلقاً بشخصيات أسطورية تتغلب على الشر، ويجدون فيها ما يعوضهم ربما عن حالة ضعف قد يشعرون بها". وتشاطر ماجدة الرنتيسي موظفة سعاد في الرأي، وتقول:"أحياناً يجد طفلي الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره في"بات مان"الحل الأمثل للتغلب على جيش الاحتلال، الذي ينكل بنا عبر الحواجز العسكرية في الطريق ما بين منزلنا في رام الله، ومنزل جده في قرية رنتيس، ويطالبنا بالاتصال به للقدوم فوراً، وتلقين جنود الاحتلال"الأشرار"درساً لن ينسوه أبداً". وتضيف:"غالباً ما أعجز أمام أسئلة أطفالي حول بعض المصطلحات الغريبة التي ترد في مسلسلات الكرتون الحديثة، ك"العقل الموحد"، و"التشاطر الذهني"وسواهما من التعابير التي لا أعرف معناها. ما يجعلني أحياناً أكره هذا النوع"المعقد"من الرسوم المتحركة، وأحاول إقناعهم بمتابعة برامج أخرى، لخشيتي أن تحدث بلبلة ما في عقولهم". وتلفت الرنتيسي إلى أن أطفالها، كثيراً ما يقلدون الأبطال الأسطوريين في هذه الأفلام المتحركة، فتارة يخوضون صراعاً بين"بات مان"أو أي من رفاقه، و"شرير"، كما يقولون، وتارة يغيرون الأدوار..."ما يجعلني أخشى عليهم من عمل أحمق، جراء تقليد هذه الشخصيات". وأظهرت دراسات نفسية، أن الأطفال الذين يشاهدون مناظر العنف، يتصرفون بطريقة عدوانية، أو بشكل مؤذ إزاء الآخرين، كما أنهم يصبحون اقل حساسية إزاء الألم ومعاناة الغير، ويصبحون أكثر خوفاً من العالم الخارجي المحيط بهم. وبحسب دراسة أميركية وأخرى بريطانية فإن الأطفال الذين يشاهدون العنف في أفلام الرسوم المتحركة يبدون أكثر عنفاً وعدوانية، حين يكبرون. أياً يكن الامر تحولت الشخصيات الأسطورية أو الخارقة في مسلسلات الرسوم المتحركة وأفلامها إلى تجارة رائجة. فكثير من الأطفال، وبخاصة في سن ما بين الرابعة والعاشرة، يشددون على ارتداء ملابس تحمل رسماً أو صورة لهذه الشخصية الكرتونية أو تلك، كما تعج غرفهم بملصقات من هذا النوع. وفي هذا الإطار يقول فادي حمدان موظف:"ما أن يشاهد أبنائي أي منتج عليه صور أو رسومات ل"سبايدر"أو"بات"أو"سوبر"، كما يسمونهم،"يقيمون الدنيا ولا يقعدونها"، لشرائها... أحياناً أرضخ لرغباتهم، وأحياناً أحاول وأنجح في أن أشغلهم بأمور أخرى، فهذه البضائع عادة ما تكون باهظة الثمن، وهذا مرهق اقتصادياً".