حائراً يائساً، وقف علي خيري وسط الخراب الذي اصاب محله في منطقة الصدرية لا يعرف ماذا يفعل، فقد أعاد ترميمه مرتين بعد انفجارين وقعا في المنطقة خلال خمسة اشهر، وما كاد ينتهي قبل أيام حتى فاجأه انفجار الاربعاء ليدمره للمرة الثالثة. وقال خيري 36 عاماً الذي لا يبعد محله للحلاقة عن مكان لانفجار أكثر من 70 متراً:"قبل أيام معدودة انتهيت من ترميم المحل الذي دمره انفجار وقع في شباط فبراير. لم تكتمل فرحتي بانتهاء ترميمه فهو مصدر رزقي وعائلتي الوحيد. ولا اعرف ماذا افعل الآن. هل اعيد بناءه ليدمره انفجار رابع ام اتركه على حاله". وأضاف خيري، وهو يرفع الانقاض من الركام الذي غطى ارضية محله وبقايا المرايا والزجاج المتكسر"انها المرة الثالثة التي يتحطم فيها اثاث وسقوف هذا المحل في اقل من خمسة أشهر. لم يبق عندي مال لإعادة ترميمه. كل ما أملكه صرفته في المرتين السابقتين". وكانت سيارة مفخخة انفجرت عصر الاربعاء في منطقة الصدرية وسط بغداد. وقالت مصادر الشرطة ان الانفجار أسفر عن مقتل 140 شخصاً واصابة 150 آخرين. وقال العميد قاسم الموسوي أمس إن سبب الانفجار كان شاحنة محملة بالمتفجرات. وشهدت المنطقة التي يسكنها خليط من السنّة والشيعة والأكراد في شباط الماضي انفجاراً دموياً آخر أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصاً سبقه في كانون الأول ديسمبر انفجار راح ضحيته حوالي 70 شخصاً. وتقع الصدرية وسط بغداد القديمة بين منطقتي الكفاح والفضل من جهة الشمال ومنطقة باب الشيخ التي تضم مسجد وضريح الشيخ عبدالقادر الكيلاني من جهة الجنوب، بينما تقع منطقة الشيخ عمر الى شرقها ومنطقة الشورجة وشارع الجمهورية الى غربها. وتعتبر الصدرية والمناطق التي تحيط بها جزءاً من بغداد القديمة وما زالت بناياتها وحاراتها تحمل طابع المدينة القديم ويسكن هذه المناطق جميعاً خليط من العرب الشيعة والسنة والأكراد. ووقع انفجار الاربعاء وسط تقاطع شارع الكفاح وشارع الصدرية وهو ما يشير الى احتمال ان يكون الهجوم انتحاريا. وخلف الانفجار حفرة عميقة وسط الشارع كما تسبب في احتراق عشرات الحافلات كانت متوقفة داخل مرآب للحافلات يقع على أحد جانبي التقاطع مباشرة. وتناثرت السيارات المتفحمة في ارجاء المكان وتحول التقاطع الى مشهد للموت غطته ملابس واحذية محترقة وبقع من الدماء، وبقايا سيارات تطايرت اجزاؤها بسبب الانفجار. وكانت رائحة الاجساد المحترقة داخل قسم من هذه الحافلات ما زالت تنبعث حتى صباح أمس. وقال صباح مبدر، وهو سائق حافلة احترقت أثناء توقفها داخل المرآب:"كانت ثلاث حافلات ممتلئة بالركاب كل منها يتسع على الأقل لخمسة وعشرين راكباً كانت على وشك الخروج من"الكراج"عندما وقع الانفجار في التقاطع". وأضاف:"جميع ركاب هذه الحافلات قتلوا واحترقوا ولم يخرج منهم احد سالما، وعندما استطعنا الوصول اليهم بعد ان هدأت النيران قليلاً لم نتمكن من اخراجهم. كانت الاجساد منصهرة ببعضها وقسم منها كان متيبساً". وما زالت عشرات الحافلات حتى صباح أمس في مكانها متوقفة داخل المرآب، ولم يبق منها إلا هياكلها بعد ان التهمتها النيران بالكامل. ووقف سائقو هذه الحافلات ممن حالفهم الحظ ونجوا من الموت لأنهم لم يكونوا داخلها لحظة وقوع الانفجار يتأملون سياراتهم التي لم يبق منها شيء، فيما راح بعضهم الآخر يذكر اسماء زملائهم السائقين الذين كانوا داخل سياراتهم ولقوا حتفهم جراء الانفجار. وقال رحيم علي 33 عاماً، وهو عامل:"الناس بدأت تتقاطر على المكان اليوم يسألون عن ذويهم. لا يزال الكثير مفقودين. ربما قتلوا حرقاً ولا احد يستطيع التعرف إليهم". وقال مصدر طبي من مستشفى الكندي، حيث نقل الضحايا:"عدد الجثث المتفحمة التي لم يستطع احد التعرف إليها بلغ 43 جثة". وبغضب راح سرمد 30 عاماً يتحدث صاباً جام غضبه على الحكومة العراقية، وقال:"هل هذه الخطة الأمنية التي تتحدث عنها الحكومة. أي خطة أمنية هذه التي يقتل فيها العشرات يومياً. أين المالكي ليأت وير بعينيه ما يجري. من سيعيل العائلات التي تيتمت. من سيعوض هؤلاء المتضررين الذين جميعهم من الكسبة الفقراء". واتهم كثيرون القوات الأميركية وقوات الحرس الوطني التي كانت في المكان عند وقوع الانفجار، باساءة التصرف مع الأهالي ومنع الناس من تقديم يد العون لانقاذ الجرحى واجلاء القتلى. وقال سرمد:"منعونا من ان نقدم المساعدة للضحايا من الجرحى والقتلى. فتحوا علينا نيران رشاشاتهم وكأننا اعداؤهم. قتلوا صديقي منصور الذي كان يقود دراجته وكان يحمل عليها جريحاً كان يريد ايصاله الى المستشفى". ولم تنج العمارات القريبة من الدمار واصاب الشقق السكنية فيها وجميعها ذات طراز معماري قديم دمار كبير، وسقطت سقوف عدد كبير من هذه الشقق على ساكنيها الذين نجا معظمهم من الموت بأعجوبة، وان كان كثيرون أصيبوا. وقالت شكرية ناصر حسين التي سقط سقف غرف شقتها جراء الانفجار:"هرعت الى الجيران اطلب نجدتهم لانقاذ ابني عباس بعد ان وقع السقف عليه. لم استطع اخراجه وحدي". واضافت:"أحمد الله انه لم يمت. واصابته التي طاولت يديه وقدميه لم تتسبب في اعاقته. نعم هو مصاب الآن لكن الحمد لله ما زال حياً. فهو المعيل الوحيد لنا".