تمثل شبكة الربط الكهربائي العربية، التي هي قيد الإنشاء، خطوة مهمة على مسار التكامل الاقتصادي العربي الذي يتطلب تحقيقه تطوير شبكة متطورة من التجهيزات الأساسية و الخدمات و ما يكملها من تسهيلات لانتقال السلع والأشخاص، كخطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي و تطوير التجارة البينية العربية. كما تعتبر شبكة الكهرباء الموحدة لدول الخليج العربية، وهي جزء أساس من الشبكة العربية، بعداً مهماً من أبعاد التعاون لدول الخليج يكمل التعاون والتنسيق السياسي والاقتصادي والمالي. ومن الفوائد المباشرة المتوقعة للشبكة، تعزيز الإعتماد على الخدمة الكهربائية من خلال إتاحة تبادل الطاقة بين نظم الكهرباء في المنطقة، من خلال خفض مستوى الاحتياط المطلوب لتأمين الحد المرغوب منها، ما يخفض التكاليف الاستثمارية و التشغيلية التي تتكبدها النظم المنفردة لتوفير المستوى ذاته. كما ستتيح الشبكة الموحدة للدول العربية المستوردة للطاقة أن تستورد كهرباء من الدول المنتجة لها، ربما بتكلفة أقل من تكلفة إنتاجها محلياً. إلا أن فوائد شبكة الربط الكهربائي العربية قد لا تقتصر على الفوائد المباشرة المشار إليها في ضوء التطورات التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية، تحديداً منها ازدياد اهتمام الدول المتقدمة والنامية بأمن إمداداتها من الطاقة و قلقها من ظاهرة الاحتباس الحراري المسببة لارتفاع حرارة الأرض. اذ يتزايد الاعتقاد بأن هذه الظاهرة سببها تزايد انبعاث غازات الدفيئة، و على رأسها غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن استعمال الوقود الأحفوري الفحم و النفط و الغاز الطبيعي و غيرها و غاز الميثان الناتج عن عدد من الأنشطة الصناعية و تحلل المخلفات العضوية والنباتية. و تشكل سياسة التنويع الجغرافي لمصادر واردات الطاقة، سمة أساسية مشتركة لاستراتيجيات أمن الطاقة المعتمدة في معظم الدول المتقدمة حيث تسعى إلى خفض درجة اعتمادها على مصدر معين. و بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، فإن اعتمادها الزائد على واردات الغاز الطبيعي و الطاقة الكهربائية من روسيا الاتحادية يمثل تحدياً رئيساً لها، و بالتالي فإن شبكة الربط العربية قد توفر مصدراً آخر للطاقة الكهربائية في حال ربطها مع الشبكة الأوروبية. كما أن الطلب المتنامي على الطاقة في دول كالهند والصين، تمثل أسواقاً محتملة وواعدة في حال ربط الشبكة العربية بشبكات تلك الدول. من جهة أخرى فإن بروتوكول"كيوتو"يتضمن عدداً من الآليات لتحقيق ذلك من بينها: إلزام الدول الصناعية المتقدمة بخفض انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة ثمانية في المئة عن مستواها في عام 1990 قبيل الفترة الزمنية 2008-2012. كما اعتمد البروتوكول"آلية التنمية النظيفة"التي تسمح لتلك الدول بتنفيذ مشاريع في الدول النامية تسهم في خفض انبعاث غازات الدفيئة و تسجل الكميات المخفضة لحسابها. إضافة الى ذلك يشجع البروتوكول على إقامة أسواق قطرية و إقليمية وعالمية للتداول بما يسمى"أذون غازات الدفيئة"، تتيح لمرفق يولد هذا النوع من الغازات وعليه خفضها إلى سقف معين، شراء أذون بالكمية التي لا يقدر على خفضها من مرفق آخر لديه أذون فائضة. وتشكل التزامات بروتوكول"كيوتو"وآلياته حافزاً مهما للدول لاستيراد الطاقة الكهربائية النظيفة بدل إنتاجها على أرضها، حيث أن انبعاث غازات الدفيئة ترافق عملية الإنتاج، أي توليد الكهرباء. بينما يتيح للدول المصدرة للنفط أن تصدر بعض منتجاتها النفطية كطاقة كهربائية من خلال إقامة محطات توليد للكهرباء ومصاف لتكرير النفط التي تغذي تلك المحطات بالوقود على حقول النفط أو بجوارها، ما يسمح في الوقت ذاته بالتخلص من غازات الدفيئة المنبعثة من محطات التوليد و مصافي التكرير من خلال تجميعها وإعادة ضخها إلى حقول النفط المستنفذة أو المنتجة، في حال نجحت الأبحاث والتجارب الحالية في المنطقة وحول العالم في تثبيت جدوى وأمن هذه الوسيلة للتخلص من الغازات المذكورة. وتهدف هذه الأبحاث العلمية والتجارب إلى تطوير تقنيات جديدة لخفض كلفة حبس وتجميع غاز ثاني أوكسيد الكربون، و التأكد من أمن و فعالية تخزينه في مكونات جيولوجية. كما تتناول جدوى استغلال هذا الغاز في حفز إنتاج النفط الخام من خلال ضخه إلى الحقول المنتجة لتعزيز ضغطها وبالتالي زيادة معدلات استخراج النفط المتواجد فيها، مكان المياه أو الغاز الطبيعي المستعملة حالياً لهذا الغرض. ويشار في هذا السياق إلى أن بعض الدول العربية المنتجة للنفط ناشطة في تطوير هذه التقنيات الواعدة من بينها المملكة العربية السعودية التي تشارك في مبادرة عالمية للبحث العلمي والتطوير هدفها تطوير هذه التقنيات وتجربتها، كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم، بالتعاون مع مؤسسات وشركات يابانية، بتنفيذ مشروع تجريبي لضخ غاز ثاني أوكسيد الكربون في حقول النفط لتعزيز إنتاجيتها. إن نجاح هذه الجهود، وهو أمر عالي الاحتمال لا بل متوقع، سينتج عنه فوائد اقتصادية جمة للدول المنتجة للنفط في المنطقة والعالم، إضافة الى إسهامها الكبير في المحافظة على البيئة. ومن أبرز هذه الفوائد والايجابيات لدول المنطقة العربية ما يلي: أولاً: المساهمة الايجابية والمؤثرة في خفيض انبعاثات غازات الدفيئة وحماية البيئة، إضافة الى تأمين الاستعمال النظيف للنفط ما يعزز مكانته في أسواق الطاقة العالمية خصوصاً على المدى الطويل. ثانياً: إمكان بيع أذون في السوق العالمية مقابل كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تحبس في حقول النفط، حيث أن محطة عادية واحدة لتوليد ألف ميجاوات كهرباء تنتج نحو 800 كيلوغرام من ثاني أوكسيد الكربون في الساعة فيما لو كانت تعمل على النفط، و نحو 600 كيلوغرام فيما لو كانت تعمل على الغاز الطبيعي. مع العلم أن سعر الطن الواحد من ثاني أوكسيد الكربون تراوح بين عشرة وعشرين دولاراً تقريباً في سوق الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي. كما أن من المتوقع لهذه الأسعار أن تتضاعف في المستقبل مع ازدياد صعوبة خفض الانبعاث إلى المستويات المطلوبة. ثالثا: توفير الكميات الكبيرة من المياه و الغاز الطبيعي التي تستخدم حالياً في عمليات إنتاج النفط الخام من خلال استخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون كبديل لها. رابعاً: تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة في المنطقة نتيجة إقامة محطات توليد كهرباء لغرض تصدير الطاقة الكهربائية إلى الأسواق العالمية، اضافة الى مصافي التكرير المطلوبة لتأمين الوقود لتلك المحطات. خامساً: الاستفادة من محطات توليد الكهرباء في تحلية المياه وبالتالي تعزيز مصادر المياه، المحدودة في المنطقة العربية. سادسا: استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مرافق توليد الكهرباء وتكرير النفط والخدمات التابعة لها. سابعا: تحفيز قطاع الصناعات الثقيلة الكثيفة الاستهلاك للطاقة التي تتمتع فيها المنطقة بميزة مقارنة في ضوء مواردها الكبيرة من النفط و =الغاز الطبيعي، حيث أن المرافق الجديدة ستوفر سوقاً كبيرة تسهم في جذب تلك الصناعات إلى المنطقة و تطويرها محلياً. * مستشار لبناني في شؤون التنمية