بعد 17 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية في لبنان، عاد الحديث عن "شبح التسلح" ليتصدر واجهة النقاشات السياسية والجماهيرية. وعلى رغم إنكار القوى السياسية الرئيسة اتخاذها قرارات مركزية بالتسلح باستثناء "حزب الله" الذي يقول إن سلاحه موجه ضد العدو الإسرائيلي، فإن عينة واحدة من الاتهامات التي يكيلها قياديو 8 و14 آذار في حق بعضهم بعضاً كافية لإشعار المواطن بأن شاحنات السلاح"تمر من تحته من دون أن يدري". ويدب الرعب في عروق من ليس مسلحاً بعد. تكثفت اتهامات التسلح خلال الأشهر الأخيرة على ألسنة كل الأطراف السياسيين. ولم تمر مرور الكرام على مسامع اللبنانيين. عامان من التوتر الأمني والتعبئة السياسية والتجييش ضد الأطراف الأخرى، كانا كفيلين بعودة ازدهار تجارة الأسلحة الفردية التي خمدت خلال الأعوام ال15 الماضية. موجة التسلح الفردي لا ينكرها أي من القائمين على الشأن السياسي في البلد. كما لا تخفي الأحزاب الفاعلة قيام مناصريها أو المنضوين تحت ألويتها بالتسلح"الفردي"خوفاً من هجمة الآخر في خطوة قد تكون الأولى في طريق اعتماد سياسة الأمن الذاتي. حماية بيتي ومنطقتي! قبل نحو عام ابتاعت انطوانيت مسدساً حربياً من تاجر أسلحة في البقاع. تقول انطوانيت إن المهمة كانت سهلة:"أخبرت صديقاً لي بأنني وزوجي خائفان بعد هجوم الإسلاميين على منطقتنا الأشرفية في 5 شباط فبراير من العام الماضي، وبأننا نفكر في شراء سلاح للدفاع عن بيتنا في حال وقوع سوء". الصديق لم يكذب خبراً، كما تقول انطوانيت. رافقها إلى منزل صديقه الذي بدوره يتاجر بالسلاح سراً، واشترت المسدس بسعر معقول. تسعى انطوانيت اليوم للحصول على"قطعة أخرى"لأختها التي تقيم في شارع بشارة الخوري. ولكنها تقول إن عليها الانتظار"لأن التاجر وعدنا بتأمين القطعة بعد أسبوع، إنما بسعر يبلغ ضعفي ثمن قطعتي". في مقابل أنطوانيت التي تنتمي إلى"التيار الوطني الحر"من المعارضة اللبنانية، تقطن في منطقة الطريق الجديدة عائلة من أربعة أولاد وأم وأب. العائلة تناصر"تيار المستقبل"بزعامة النائب سعد الحريري. وتقول الأم التي تعمل في مدرسة رسمية إن"دمنا فدا الشيخ سعد". بعد أيام من حادثة الجامعة العربية في 25 كانون الثاني يناير الماضي اشترى الابن الأكبر في العائلة 22 سنة وعدد من رفاقه أسلحة فردية"لحماية المنطقة". الأم لا تخفي قلقها من الأمر، ولكنها تقول:"ثارت ثائرتي لأيام وصرت أخاف عليه كلما خرج من البيت، لكن ما الذي يمكن أن نقوله لشبان رأوا منطقتهم تستباح من آخرين؟". السلاح الفردي يجمع ممثلو الأحزاب في فريقي السلطة والمعارضة على عدم وجود قرار مركزي من قياداتهم بتسليح مناصريها. ويدرج كل منهم حركة بيع السلاح التي يؤكدها التجار والمشترون على حد سواء، في خانة الخوف الفردي من الآخر. وقد يكون إدراج مصدر في"القوات اللبنانية"التجارة المتنامية في خانة"ميل اللبناني منذ القدم إلى اقتناء الأسلحة"، أكثر التحليلات وردية من بين كل ما سيسوقه ممثلو الأحزاب المتصارعة. ويضيف إلى نظريته دليلاً آخر:"الميليشيا لا تشتري من تاجر. وارتفاع أسعار الأسلحة في السوق دليل على عدم وجود قوى ممولة له". المسؤول الإعلامي في"حزب الله"حسين رحال يرى في التسلح الفردي تصرفاً منطقياً في بعض الحالات."بعض الناس يريدون حماية أنفسهم"، مشيراً إلى ان"جهات قوى 14 آذار تمول الناس ليشتروا السلاح". منطقية التسلح الفردي يؤكده مفوض الإعلام في"الحزب التقدمي الاشتراكي"رامي الريس:"ليس هناك حركة تسلح منظمة للأفراد. ما يحصل حالياً هو جزء من نشاط فردي أسهم الخطاب السياسي المتوتر في تغذيته ولا يمكن أن ندرجه في سياق تسلح أحزاب 14 آذار". ويرمي الكرة في ملعب"حزب الله"الذي"يعترف بامتلاكه السلاح ويفاخر بذلك". وسط زوبعة الاتهامات، يبدو"التيار الوطني الحر"حليف"حزب الله"، الفريق الأكثر بعداً من الشبهة بالتسلح. خصوم"التيار"يتهمون النائب ميشال عون بإعادة عسكريين سابقين إلى واجهة المسؤوليات التنظيمية من أجل مواجهة خصومه عندما تبرز الحاجة إلى السلاح. مسؤول لجنة الإعلام في"التيار"طوني نصرالله ينفي علمه بوجود حركة تسلح في صفوف مناصريه. ويقول إن"التيار لم يكن في يوم من الأيام ميليشيا عسكرية، والتسلح يتناقض مع إيمان التيار بالتغيير من خلال المجتمع المدني". حرب عون مع"القوات اللبنانية"خلال الحرب الأهلية يدرجها نصر الله في خانة"حرب الجيش اللبناني ضد اللاشرعية". غير أن أي تسلح محتمل في الصف المسيحي يرده نصر الله إلى خطاب جعجع الذي أخاف المسيحيين من جرهم الى حرب. الآخرون يتسلحون "القوات اللبنانية"وپ"الحزب التقدمي الاشتراكي"حزبان رئيسيان لا تغفل قوى المعارضة مناسبة للحديث عن تسلحهما في شكل مكثف، كما تغمز إلى تسلح بقية قوى 14 آذار. يؤكد رحال أن"حركة تسلح قوى الأكثرية، تغطيها الأجهزة الأمنية التي تعمل للدولة التي اعترف وزير الداخلية بالوكالة سابقاً أحمد فتفت انه تم تعيين 12 ألف عنصر جديد من الجماعة التابعة لهم في هذه الاجهزة"، كما يشير إلى معلومات عن"تنظيم أحزاب الموالاة دورات تدريبية عسكرية لعناصرها في الأردن ودول عربية أخرى"، معلناً انه استقى معلوماته"من أقارب الذين شاركوا في هذه الدورات". يشير رحال إلى وجود"مخازن سلاح يملكها الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لم يسلم سلاحه الثقيل بعد الحرب في الجبل"، ويقول إن"السلاح الموجود في أيادي مناصري قوى السلطة ليس فردياً. ويخص بذلك"القوات اللبنانية"التي"تسترجع سلاحها المهرب إلى الخارج". يخص رحال"تيار المستقبل"، آخر المستجدين على لائحة المتهمين بالتسلح:"يوظفون شباناً في شركات أمنية وهمية، ويقدمون إليهم السلاح والتدريب العسكري". ويشير إلى"حادثة وقعت في 23 آذار مارس الماضي عندما احتجز عناصر من الأجهزة الأمنية في شتورا البقاع الأوسط مصوراً صحافياً يصور"بنك البحر المتوسط"الذي يملكه آل الحريري خلال توزيع جماعة المستقبل السلاح وضربوه وكسروا كاميراته". ويضيف:"ترسانة الأجهزة الأمنية التابعة لتيار المستقبل حولت الدولة إلى ميليشيات". في صف المعارضة ينضوي أيضاً طوني نصر الله. ولا يبدو كلامه مختلفاً عن كلام رحال. إذ وجود"معلومات من مصادر إعلامية وأمنية ومشاهدات تشير إلى تسلح قوى السلطة"، مبرراً عدم الكشف عن مكان وجود الأسلحة بپ"سهولة نقلها من مكان إلى آخر بتغطية من الأجهزة الأمنية الموالية للسلطة". ادعاءات مضادة اتهامات المعارضة الأخيرة ينفيها المصدر في"القوات اللبنانية". ويقول إن"قوى 8 آذار ترمي الاتهامات من دون أن يكون عندها دلائل. أين يمكننا أن نخبئ المدافع والدبابات والصواريخ من دون أن يراها أحد. كما أن الأسلحة الثقيلة في حاجة إلى ظروف تخزين لا نمتلكها وپ"حزب الله"يعرف ذلك جيداً"، غامزا من قناة"مربعات أمنية تابعة لحزب الله في الجنوب والبقاع والضاحية لا يسمح بالدخول إليها". إيمان المسيحيين بالدولة وتمسكهم باتفاق الطائف، سبب آخر يسوقه المصدر ضد الاتهامات. ويقلل من شأن السلاح الفردي لمناصري قوى 14 آذار"إذا ما قورن باعتراف حزب الله بأنه استعاد ترسانته الصاروخية التي دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة". الريس بدوره ينفي الاتهامات، ويقول إن"اتهام حزب الله لقوى الأكثرية بالتسلح ينبع من عدم قدرته على إيفاء الالتزامات التي تعهد بها لجمهوره"، مشيراً إلى أن"التهديد بوثائق خفية لا يظهر لها اثر هو دليل على عدم وجودها". ويضيف:"آخر من يحق له الحديث عن التسلح هو من يملك ترسانة لا ندري ما جدواها بعد القرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب". "حزب الله" والداخل لا يبدو أطراف الأكثرية مقتنعين بمقولة إن سلاح"حزب الله"موجه فقط ضد إسرائيل. ولا يلقى تأكيد طوني نصر الله حصول"التيار"على تعهد من"حزب الله"بعدم استخدام سلاحه في الداخل أي صدى يذكر. المصدر في"القوات اللبنانية"يسجل موقفاً متقدماً على تعهدات نصر الله وتأكيد رحال، ويشير إلى أن"حزب الله"يستخدم سلاحه فعلياً في الداخل منذ وقت:"السلاح يمكن أن يستخدم في المعارك المباشرة أو كوسيلة للضغط السياسي، وپ"حزب الله"يستخدم سلاحه بالطريقة الثانية يومياً. عندما يقول أمينه العام إنه لن يسلم سلاحه إلا وفق شروط سياسية معينة يكون يستخدم سلاحه للضغط". الريس بدوره يؤكد أن"حزب الله استعمل سلاحه داخلياً في غزوات 23 و25 كانون الثاني الماضي"، مشيراً إلى"شاحنات أسلحة ضبطت وفيها أسلحة لا تنفع في مقاومة إسرائيل، إضافة إلى ضبط مخازن أسلحة في الكورة لحلفاء"حزب الله". ويحسم بأن مسألة"تسلح قوى 8 آذار واضحة". الاتهامان الأخيران يرد عليهما رحال بأنهما"مناورة من جانب فريق السلطة"، مشيراً إلى أن أسلحة"الحزب السوري القومي الاجتماعي التي ضبطت في الكورة كانت موجودة في المخازن منذ زمن الحرب الأهلية والتحقيقات أثبتت عدم صلاحيتها للاستخدام مجدداً". كما أن"شاحنة السلاح المضبوطة كانت تحوي صواريخ غراد وهاون كالتي استخدمها"حزب الله"في معارك مارون الراس وبنت جبيل، وهي بذلك جزء من سلاح المقاومة الموجه ضد إسرائيل". التسلح الفردي والحرب الأهلية "الأسلحة الفردية لا تؤدي إلى الحرب الأهلية من دون قرار سياسي"، الاستنتاج الأخير يسوقه كل من مصدر"القوات"والريس. ولا ينفيان تسلح أفراد من حزبيهما في شكل فردي. ويفسر مصدر القوات بأن"سلاح الحرب الأهلية هو العبوات التي يملكها ويستخدمها الفلسطينيون وپ"حزب الله"ضد إسرائيل. هذه العبوات استخدمت ضد فريق 14 آذار الذي بالتالي لا يملكها". في حين يؤكد الريس أن"ليس عندنا توازن عسكري في الاسلحة مع"حزب الله"لنبدأ الحرب". رحال لا يبدو مقتنعاً بمقولة توازن الأسلحة. ويشير إلى أن"السلاح الذي يأتون به 14 آذار له دور في افتعال نوع من الحرب الأهلية تؤدي إلى تقسيم لبنان". ووسط اتهامات الفرقاء الاستباقية لبعضها بعضاً بالتحضير لحرب أهلية قد تكون مقبلة، يؤكد نصر الله أنه"في حال وقعت الحرب يكون انتهاء لصيغة لبنان".