تمثّل الجمعيات العمومية للشركات المساهمة العامة، سواء العادية التي تُعقد سنوياً أو غير العادية، أعلى سلطة في الهيكل التنظيمي لهذه الشركات، نظراً إلى أهمية القرارات التي تتخذها خلال اجتماعاتها، وفي مقدمها الموافقة على البيانات المالية للشركات بعد الاطلاع على تفاصيلها أو رفضها، إضافة إلى سلطتها في تبرئة ذمة أعضاء مجلس الإدارة في ما يخص أعمالهم خلال السنة المنصرمة، وتعيين مدققين للحسابات أو عزلهم وتحديد أتعابهم، والموافقة على نسب الأرباح الموزعة على المساهمين إضافة إلى الموافقة على زيادة رأس المال، وتعديل النظام الأساسي وغيرها من الأمور الهامة. وكفلت القوانين دعوة جميع مساهمي الشركات إلى حضور هذه الاجتماعات، وأعطتهم الحق بمحاسبة مجالس الإدارة على أداء الشركات في حال التقصير. ويطلع المساهمون عادة خلال هذه الاجتماعات على بعض المعلومات الهامة، مثل مصادر الأرباح وتوقعات الأداء، إضافة إلى المشاريع المستقبلية، علماً ان هذا الإفصاح يساهم في احتساب الأسعار العادلة لأسهم هذه الشركات باعتبار ان الأسعار العادلة مرتبطة بتوقعات الأداء في المستقبل، مع الأخذ في الاعتبار إنجازات الفترة الماضية. لكن، ومن خلال حضوري نسبة هامة من اجتماعات الجمعيات العمومية للشركات المساهمة هذه السنة، لاحظت محدودية مستمرة في عدد الحضور من المساهمين، ما يعكس تفريط الغائبين بالحقوق التي كفلها لهم القانون، إضافة إلى عدم وعيهم أهمية هذه الاجتماعات. إذ لاحظت في بعض الاجتماعات ان عدد المساهمين الحاضرين لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، ولاحظت في بعض الجمعيات ان عدد أعضاء مجالس الإدارة يتجاوز عدد المساهمين، فيما لاحظت اكتظاظ بعض الاجتماعات بالصحافيين والوسطاء وموظفي هذه الشركات لتعبئة المقاعد الفارغة. ويتطلب النصاب القانوني لانعقاد الجمعيات العمومية حضور حاملين لپ50 في المئة من أسهم الشركة في اجتماعات الجمعيات العمومية العادية، ولپ75 في المئة من الأسهم في اجتماعات الجمعيات العمومية غير العادية. والنصاب القانوني من المواضيع التي تؤرق إدارات الشركات والتي يجب ان يعاد النظر فيها، بعد ان لاحظت عدم اكتمال النصاب القانوني لشركات عدة تملك قاعدة عريضة من المساهمين، بينما يسهل انعقاد الجمعيات العمومية للشركات التي تملك الحكومة حصة كبيرة في رأس مالها. وتُعتبر إعادة النظر في هذه النسب ضرورية لضمان النصاب القانوني، إذ ان عدم اكتماله يزيد عادة أعباء الشركات على صعيد النفقات الإضافية ويضيِّع وقت المساهمين. وتضمنت لائحة حوكمة الشركات التي أصدرتها هيئة الأوراق المالية السعودية حلولاً مهمة لهذه القضية، منها تطبيق التقنية الحديثة في اجتماعات الجمعيات العمومية مثل النقل المباشر للاجتماعات عن طريق الإنترنت والتصويت الإلكتروني على القرارات. وتُعتبر الفترة بين دعوة المساهمين إلى حضور الجمعيات العمومية وموعد انعقادها 21 يوماً فترة طويلة وتؤدي إلى نسيانها من عدد كبير من المساهمين. وبالتالي يجب إعادة النظر أيضاً في هذه الفترة بحيث لا تتجاوز أسبوعاً واحداً، خصوصاً بعد تطور وسائل التكنولوجيا. ويُلاحظ كذلك انعقاد أكثر من جمعية عمومية خلال يوم واحد وحتى خلال ساعة واحدة، ما يستدعي وجود جهة رقابية تتولى ترتيب مواعيد انعقاد الجمعيات العمومية حتى يتمكن المساهمون من حضور أكبر عدد ممكن منها. والملفت أيضاً توزيع بعض الشركات البيانات المالية خلال انعقاد اجتماعات الجمعيات العمومية، على رغم حق المساهمين بالاطلاع عليها مسبقاً بوقت كاف لتتاح لهم فرصة دراستها وتكوين الرأي المناسب قبل التصويت عليها، وبالتالي عدم مفاجأتهم بهذه البيانات التي يصعب على عدد كبير منهم تحليلها خلال فترة زمنية قصيرة. وما لفت انتباهي أيضاً في هذه الاجتماعات عدم اهتمام المساهمين بتقرير مراجعي الحسابات أو حتى بمعرفة أسمائهم على رغم اعتبار مراجع الحسابات نائباً أو وكيلاً عن المساهمين في الرقابة على أعمال الشركات وصحة بياناتها المالية، والتأكد من انها تعبر بأمانة ووضوح عن المركز المالي الحقيقي للشركة ولا تتضمن أي تمويه للحقائق والأرقام. وتتلخص حجة عدد كبير من صغار المساهمين بالتغيب في أنهم لا يؤثرون في القرارات الهامة في ظل هيمنة كبار المساهمين ومجلس الإدارة على القرارات، خصوصاً ان بعض أعضاء مجالس الإدارات يلجأ إلى كبار المساهمين للحصول منهم على توكيلات بالتصويت على قرارات الجمعيات العمومية. ويُلاحظ استمرار انخفاض مستوى الوعي الاستثماري من خلال اهتمام المساهمين الحاضرين، خصوصاً المضاربين منهم، بموضوع التوزيعات السنوية، سواء النقدية أو الأسهم المجانية، من دون الاهتمام بالمؤشرات المالية ومؤشرات الربحية ومؤشرات النمو التي تعكس كفاءة الإدارة في الشركة المعنية وكفاءة استغلال مواردها، علماً ان هذه المؤشرات تنعكس على قيمة أرباحها المستقبلية وتوزيعاتها وسعر أسهمها في السوق في مراحل مقبلة. ومن مسؤوليات مجلس الإدارة توعية المساهمين إلى هذه الأمور لمساعدتهم في ترشيد قراراتهم الاستثمارية. ويكون هدف المضاربين عادة من محاولة رفع نسبة التوزيعات، تشكيل طلب موقت على أسهم هذه الشركات يساهم في رفع سعر أسهمها في السوق ما يسمح لهم بتحقيق مكاسب سريعة. * مستشار "بنك أبو ظبي الوطني" للأوراق المالية