لم تعقد أي قمة عربية في الماضي من دون ان تكون أمامها قضايا صعبة تمس الأمن القومي العربي. ولم تعقد قمة عربية خالية من انعكاسات بعض الحزازات والتوترات الموجودة في علاقات بعض الدول العربية ببعضها الآخر. فماذا سيكون امام القادة العرب في قمتهم المقبلة في الرياض في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، وهل أعدوا للقمة ما يلزمها من تمهيد وحلول متصورة للقضايا القومية والاقليمية الملحة؟ كانت هناك دائماً امام القمم العربية قضية فلسطين التي ما زالت بعد نحو 59 عاماً على النكبة من دون حل وباتت تعتبر مشكلة دولية مزمنة تزيدها اسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة الاميركية تعقيداً سنة بعد سنة وشهراً بعد شهر خصوصاً منذ حرب"الايام الستة"في حزيران يونيو 1967. وكان بعض الخلافات العربية آنذاك جزءاً من مرآة للعالم عندما كان مقسماً الى غرب بزعامة اميركا وشرق بزعامة الاتحاد السوفياتي الراحل. وقد انهار الاتحاد السوفياتي وتغير العالم، ليس نحو الافضل بالضرورة مع ان هذا ليس أسفاً ايضاً على زوال الامبراطورية السوفياتية المهترئة. وصار العالم بعدذاك عالماً مختل التوازن احادي القطبية تجسدت فيه معالم امبراطورية جديدة غربية هي الولاياتالمتحدة المخطوفة، في ما يتعلق بالقضايا القومية العربية المهمة، للسياسات الاسرائيلية واللوبي الصهيوني"ايباك"وأقطابه الذين يتخفون احياناً تحت تسمية"المحافظين الجدد". وقد أحدث هذا الوضع الشاذ تشوهات كبيرة في العلاقات العربية - الاميركية، ولم يعد مهماً التساؤل عما اذا كانت اسرائيل هي الذيل الذي يهز"الكلب"الاميركي، ام ان اميركا هي الذيل الذي يهزه"الكلب"الاسرائيلي، فالنتائج هي نفسها دائماً: سياسات اميركية تجاري سياسات اسرائيل وافعالها وتساندها مالياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. وأمام القمة العربية المقبلة هذه المرة قضايا اخرى صعبة أولاها الاحتلال الاميركي للعراق والحرب الاهلية هناك التي تحولت في جزء منها صراعاً مذهبياً مؤسفاً دامياً، اضافة الى الازمة اللبنانية الاسهل بكثير لو اتفقت الاطراف اللبنانية نفسها والاقليمية ايضاً على حلها، بدلاً من تدويلها على نحو يفقد لبنان سيادته. وثمة قضايا اخرى من السهل ان تتحول مشكلات تمس الامن القومي العربي في مقدمها الازمة في اقليم دارفور السوداني وما يكتنفها من صراع بين المتمردين والقوى الاقليمية والاجنبية التي تساندهم والحكومة التي تقاوم الضغوط لتدويل الازمة من دون ان يبدو في الافق حل قريب. وواجهت القمم العربية في الماضي مشكلة اخرى، ما زالت تتكرر، تتمثل في تغريد بعض القادة العرب خارج السرب عشية انعقاد القمم. وقد لجأ بعضهم الى تخوين الآخرين واستغلال بعض القضايا القومية واستعمالها كقميص عثمان لا لشيء سوى تسليط الاهتمام على الذات. ويختار هؤلاء مقاطعة القمم فيبقون في الخارج لا يقدمون بديلاً ولا يساهمون في وضع خطة او تنفيذ مشروع وهؤلاء هم القاعدون. اذا كان الغرب يطلق على بعض الدول العربية لقب"معتدلة"وعلى دول اخرى لقب"متطرفة"، فإنه إنما يفعل ذلك من منظور مصالحه. ويؤمل ان يكون النضج السياسي العربي درعاً واقياً للمصالح العربية العليا المشتركة بغض النظر عن التصنيفات الغربية. ان المهمات التي تنتظر القادة العرب هذه المرة جسيمة فعلاً، ولكن ليس من المستحيل العثور على وسائل لتخفيف الازمات واحتوائها تمهيداً لحلها. وثمة سابقة حديثة تؤشر الى امكان عمل ذلك هي مؤتمر مكة الذي وضع حداً للاقتتال الداخلي الفلسطيني ومهد لحكومة الوحدة الوطنية التي ولدت امس. وامام العرب الذين سبقوا تكتلات اقليمية اخرى الى ارساء مؤسسة القمة العربية مثال جيد في قمم الاتحاد الاوروبي. واذا كانت الخلافات امراً اعتيادياً ان بين الدول الاوروبية او بين الدول العربية، فإنها تتوقف بين الاوروبيين عند حدود مصالحهم المشتركة. ويحضر الزعماء الاوروبيون قمم اتحادهم باعتبار الحضور حقاً وواجباً يمكّن كل مشارك من عرض وجهة نظره ومطالبه واعتراضاته.