استقبل اتفاق مكة بين "حماس" ومنظمة "فتح" في الغرب بمزيج من الدهشة السارة والقلق. فمن ناحية لاحظ البعض بشيء من الارتياح ان العالم يتحمل بالفعل مسؤولياته لحل الصراعات داخله بصورة سلمية. ومن ناحية اخرى، أدرك البعض ان الحل التفاوضي لم يتبع الخطوط الارشادية التي حددتها "الرباعية" الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا. وربما لم يحترم اتفاق مكة بالفعل، من وجهة النظر الغربية، شرطين من الشروط التي وضعتها اللجنة الرباعية لقبول"حماس"كقوة حكومية شرعية وبالتالي كمحاور يمكن الوثوق به في مباحثات السلام الاسرائيلية - الفلسطينية. ولا يظهر في الوثيقة المتفق عليها بين أبي مازن وخالد مشعل لا الاعتراف باسرائيل ولا القبول الصريح بالاتفاقات الموقعة حتى الآن بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية التي ولدت من اتفاقات أوسلو. نحن اذاً امام منعطف ثقافي وسياسي في آن واحد. ثقافي لأنه قد حانت بالفعل اللحظة التي يجب ان تناقش فيها الخلافات الفكرية والتقاربية بين العالم العربي والغرب مع الاحترام المتبادل للاسباب التي تحدثها، وتحل على أساس أحقيتها، مع توافق المزايا على المدى القصير والمتوسط، كذلك تقسيم الاعباء والمسؤوليات بالتساوي. لقد كان على الغرب ان يقوّم اتفاق مكة بمزيد من الاهتمام والصدق. واذا كان أبو مازن قد قبله واذا كان هدف الغرب هو مساندة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، فإن المنطق والحس السليم كانا يجب ان يدفعا الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي الى اعادة النظر في موقفهما مع استلهام العدالة. وكان سيصبح من الواضح اذاً التنبه الى ان هناك على الاقل شرطاً واحداً، وربما هناك اثنان من الشروط التي وضعتها الرباعية - وهما الاعتراف الصريح باسرائيل والموافقة الرسمية على جميع الاتفاقات الموقعة حتى الآن - يسيران ضد مبدأ العدالة ويتناقضان مع الهدف نفسه الذي يسعيان الى تحقيقه. ألا يكفي ان"حماس"قد قامت بالاعتراف بالوضع الراهن؟ لماذا لا ترى اللجنة الرباعية انه يكفي قبول"حماس"بالنتائج التي تحققت على الأرض من الاتفاقات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية حتى الآن؟ وما هو السبب الذي يدفعنا الى المطالبة باعترافها الصريح؟ إن ما يجب ان يهم الرباعية واسرائيل هو الرغبة الواضحة ل"حماس"في السعي الى الخيار التفاوضي والحل السلمي للمطالب التي ادت اليوم الى الصراع المسلح. ان التخلي عن العنف والارهاب هو بالتالي الشرط الوحيد الذي يمكن ان تضعه الاطراف بصورة مشروعة على اساس من التعامل بالمثل، في الوقت الذي تجري المرحلة التفاوضية. والقانون الدولي لا يصرح بالمحاكمة على النيات لأن كل اتفاق يقوم على مبدأ Rebus sic standibus أي ان الاتفاق قائم طالما بقيت الظروف الأمور التي دفعت الاطراف الى التوقيع عليه. وسيكون لاسرائيل كل الحق في العودة الى الخيار العسكري اذا خان الطرف الآخر بالفعل خيار التفاوض واستأنف طريق الكفاح المسلح. والشيء نفسه سيستطيع ان يفعله بالطبع الطرف الفلسطيني في حال حدوث انتهاكات اسرائيلية. ومن دون اساس قانوني وتبرير سياسي معقول، فإن أي شرط مسبق يُفرض على الطرف الآخر سيكون معناه فرضاً غير منطقي. وكان الرئيس كينيدي يحذر الولاياتالمتحدة من التفاوض بدافع من الخوف ولكنه كان يدعوها الى عدم الخوف من التفاوض. لماذا لا تطبق الولاياتالمتحدة بالتالي المبدأ نفسه وتدفع اسرائيل لتطبيقه لمصلحة الاستقرار والسلام؟ ان اتفاق مكة، علاوة على انه يقدم خياراً مضاداً للعنف بين الفلسطينيين وبين العقائد المختلفة، فإنه يضع الاسس للبدء بعملية واسعة لاقرار السلام ترتكز على المصالحة بين الشيعة والسنة وعلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران. ويبدو ان هذه الاخيرة مستعدة لتمهيد الطريق امام حلول سلمية في لبنان والعراق. ويتعين على الاتحاد الأوروبي ان يقنع الولاياتالمتحدة بأن الشروط الثلاثة التي وضعتها الرباعية تبدو مخالفة للاجراءات الدولية. ولذا فإنها يجب ان يعاد النظر فيها لدعم الجهود الديبلوماسية التي بدأتها قوة اقليمية - المملكة العربية السعودية - تعتبر صديقة وحليفة للولايات المتحدة، لمصلحة السلام. واذا كانت المملكة العربية السعودية حليفة للغرب قبل اتفاقات مكة فإنها كانت كذلك لانها كانت تؤمن بالحل غير العنيف للصراعات. واذا كان هذا هو موقف الغرب فإنه سيكون من الضروري اظهاره بدعم العمل الديبلوماسي للعرب المعتدلين، من خلال تصرفات واقعية وصادقة. والا فإننا سنعطي الانطباع بأن المذهبية والأحكام المسبقة تسيطر علينا وبأننا مستمرون في ممارسة الكيل بمكيالين، مع الاعتراف فقط بالحقائق التي تروق لنا. * سفير ايطاليا لدى مصر