البدانة وباء صحي وبيئي يتفشى بفعل التسويق الكثيف للأطعمة المصنّعة مثل السكاكر والحلوى والمشروبات الغازيّة والمأكولات السريعة. ويحتل العرب المرتبة الثالثة عالمياً في الوزن الزائد، والسبب الرئيسي غياب الوعي الغذائي وشراء مآكل لا يعرف محتواها الدهني والسكري والتقاعس عن الحركة والتمارين الرياضية أكثر من 75 في المئة من نساء مصر اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر بدينات، وأكثر من 75 في المئة من رجال الكويت بدناء، وأكثر من 50 في المئة من سكان الخليج عموماً، خصوصاً النساء، يعانون من زيادة الوزن أو البدانة، استناداً الى تقديرات منظمة الصحة العالمية عام 2005. لقد حذر خبراء مؤخراً من"الانتشار المأسوي"للبدانة في العالم العربي، الذي أصبح يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولاياتالمتحدة ومنطقة جزر الكاريبي. وألقى البعض باللائمة على حكومات المنطقة في عدم التحرك جدياً لمواجهة أخطار انتشار البدانة والتكاليف الباهظة لعلاج ضحاياها وتحريك مؤسسات المجتمع للحد من استفحال هذه الآفة التي رافقت ارتفاع مستوى المعيشة في العقود القليلة الماضية. وقال البروفسور فيليب جيمس، رئيس الجمعية الدولية لمكافحة البدانة ومقرها بريطانيا، ان دول منطقة الخليج"اكتشفت مخاطر البدانة نتيجة انتشار مرض السكري بصورة مريعة فيها". وأوضح أن معدل أعمار البدناء قياساً لمتوسط العمر السكاني في بريطانيا انخفض سنتين، اما في منطقة الخليج فقد انخفض بين عامين وثلاثة أعوام، معتبراً أن هذا الأمر يصل الى معدل تراجيدي على مستوى الأفراد حيث يتراوح الانخفاض بين 10 و15 عاماً. ولفت الى تدني الوعي الغذائي، قائلاً ان 99 في المئة من الناس يشترون مواد غذائية لا يعرفون محتواها وقلة منهم يعرفون انه يجب تناول 600 غرام يومياً من الخضار والفواكه للحصول على غذاء متوازن. المطلوب حظر إعلانات المأكولات السريعة! لاحظ الدكتور فاضل عبدالله، استشاري أمراض البدانة في مستشفى دبي الحكومي، ان أعداداً متزايدة من المرضى الذين يزورونه هم من ذوي الأوزان المفرطة"لدرجة أنه لا يمكن للميزان العادي ان يقيس وزنهم". وطالب بمنع بث ونشر اعلانات المأكولات السريعة اسوة بالحظر المفروض على السجائر. وأشار الى عدم توفر أرقام دقيقة عن انتشار البدانة في الامارات أو منطقة الخليج، مضيفاً أن التقديرات تشير الى أن نحو 75 في المئة من الخليجيين يعانون من الوزن الزائد او البدانة. وأفاد مركز البحرين للدراسات والأبحاث أن الارتفاع السريع في مستويات المعيشة هو المسؤول عن تفشي البدانة. فقبل الثراء النفطي، كان الخليجيون يأكلون عادة الخبز أو الرز مع السمك والخضار والفواكه، وكان اللحم نادراً. ثم أخذ استهلاك السكر والدهون والأطعمة المصنعة يتصاعد، مع تراجع في استهلاك الأسماك والفواكه والخضار. وأشارتقرير لمنظمة الصحة العالمية الى أن البدانة باتت مشكلة صحية رئيسية في المملكة العربية السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصاً بين النساء. وأضاف أن الفرد في الامارات يستهلك ما معدله 79 كيلوغراماً من اللحوم في السنة، في مقابل 13 كيلوغراماً فقط في اليمن التي تعتبر أقل ثراء وأكثر تمسكاً بالتقاليد. وعلى رغم أن البدانة أكثر انتشاراً بين النساء في الكويت، حيث 70 في المئة منهن بدينات بحسب الدراسة، فهي تسبب للرجال أيضاً مشاكل خطيرة مثل النوبات القلبية وارتفاع ضغط الدم والسكري والاختلال الهورموني. وقد أفاد رئيس رابطة أمراض السمنة الكويتية الدكتور يوسف بوعباس أن نسبة المصابين بالبدانة في الكويت هي أعلى مما في معظم الدول الأوروبية، وبخاصة بين عمري 12 و16 عاماً، مشيراً الى أن تركز الدهون في منطقة البطن هو أخطر أنواع البدانة. ويحذر البروفسور مايك لين، أستاذ التغذية في جامعة غلاسغو البريطانية:"اذا وصل قطر خصر الرجل الى 110 سنتيمترات والمرأة الى 88 سنتيمتراً، فهذه علامة خطر تجلب معها أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، ويجب عندها التحرك بسرعة لاتخاذ القرار بتخفيض الوزن". شراهة واتكال على الخادمات كشفت دراسة أعدتها وزارة الصحة في الاردن أن 73 في المئة من السكان يعانون من زيادة الوزن. وبينت دراسة حكومية أخرى أن 50 في المئة من الأردنيين لا يمارسون الرياضة، وأن"معدل انتشار الكولسترول في الدم بلغ 46 في المئة في حين بلغت نسبة ارتفاع ضغط الدم 26 في المئة ومعدل انتشار الشحوم الثلاثية تريغليسريد 39 في المئة والسكري 13 في المئة". واستنتجت دراسة للدكتور عزت خميس، أستاذ تكنولوجيا الأغذية في أكاديمية البحث العلمي في القاهرة، بعنوان"الرؤية المستقبلية للتغذية على مستوى الشرق الأوسط"، أن العُمانيات أكثر النساء سمنة حيث يصل المعدل الى 64 في المئة، تليهن نساء مصر 49 في المئة، ثم الكويت 42 في المئة، والبحرين 40 في المئة، والامارات 38 في المئة، والسعودية 37 في المئة. وجاءت نساء لبنان الأفضل من ناحية الرشاقة، حيث تتدنى نسبة البدينات الى 27 في المئة. وتشير الدراسة الى أن رجال الكويت هم الأكثر بدانة بنسبة 15 في المئة، يليهم رجال البحرين بنسبة 14 في المئة هذه أرقام غير معتمدة بل جاءت في دراسة خميس. ولئن يكن هناك جدل حول صحة الأرقام المتداولة، في غياب الدراسات الاحصائية الشاملة، فتجدر الاشارة الى ملاحظات تضمنتها دراسة خميس. فهو اعتبر أن أهم أسباب إصابة سيدات العالم العربي بالسمنة مقارنة بسيدات أوروبا وأميركا هو الإفراط في تناول الطعام مع قلة الحركة والنشاط، فضلاً عن اعتماد المرأة الخليجية على الخادمة في القيام بالكثير من الأعمال المنزلية، بالاضافة الى انتشار الرضاعة الاصطناعية التي تحرم الأم من العودة الى وزنها السابق كما تفعل الرضاعة الطبيعية. ولعل أهم ما يلفت النظر في الدراسة أن السمنة تكون مصاحبة لفقر الدم لدى كثيرات من النساء العربيات، مما يدل على أنهن يتناولن كميات كبيرة من أطعمة لا تحتوي على عناصر هامة مثل الحديد وحامض الفوليك. مكافحة البدانة في السعودية أفادت دراسة عام 2006 أن الشرق الأوسط سيشهد إحدى أعلى الزيادات في نسبة البدانة بين الأطفال، متوقعة أن يتضاعف عددهم سنة .2010 وقال الجراح فيليب توماس الاختصاصي البريطاني بعلاج السمنة:"إنه الجيل الأول الذي سيكون متوسط عمره المتوقع أقصر مما كان لدى آبائه". وقد أطلقت المملكة العربية السعودية حملة لمكافحة البدانة، بعدما أصبحت مطاعم الوجبات السريعة جزءاً من نسيج الحياة العصرية. وكانت احصائيات أعلنت في مؤتمر لوزارة الصحة في آذار مارس الماضي ان 51 في المئة من النساء السعوديات و45 في المئة من الرجال يعانون من البدانة، كذلك 29 في المئة من الفتيات و36 في المئة من الفتيان. وحذرت الوزارة من خطر يحدق بالأطفال البدناء، الذين بات بمقدورهم الاتصال بأرقام هاتف خاصة للمساعدة بشأن البدانة. شعار الحملة"وازن حياتك"، وهي تدعو الى تناول طعام صحي وممارسة الرياضة، مع الترويج عبر وسائل الاعلام بمساعدة شخصيات شهيرة كانت لها صولات وجولات ضد زيادة الوزن. من هؤلاء المقدم التلفزيوني تركي الدخيل الذي قال لمشاهديه إن على المرء أن يستخدم عقله في التغلب على الشهية، وكان يمسك كتابه"مذكرات بدين سابق"الذي يحكي فيه عن حياته عندما كان وزنه 185 كيلوغراماً وكان يضطر أن يحجز مقعدين عندما يسافر بالطائرة، وقد أنقص وزنه الى أقل من 100 كيلوغرام. ينشر بالتزامن مع مجلة "البيئة والتنمية" عدد شباط/فبراير 2007