بكى صغيري حين قرأ في هوامش الشاشة الخبر المحزن، فواسيته بكلمات لم تقنع قائلها، فكيف بالسامع الذي يدرك ما تعنيه قراءة"الأخبار"لجميع أفراد الأسرة، وكيف بهم مع فراغ الصحيفة من"خطّها الأحمر"ترسمه، بعناية، ريشة الراحل؟! قلّما شهدنا - في لبنان والعالم العربي - إعلامياً رؤيوياً كجوزف سماحة، يمتاز بعقل تحليلي حقيقي رفدته ثقافة منهجيّة وحسمتْ خياراتِهِ مصلحةُ الوطن. وأشهد أنّ مقالاته النوعيّة كانت وتبقى ذات أفق، مضيئة بالرؤية مهما اتّشح مضمونها باللون الملبّد. وكم جَهدَ فكرياً وسياسياً وأخلاقياً لتقديم مقال دسم ذي نكهة جديدة بصرف النظر عن جِدَّة الموضوع أو قدمه. من"الحياة"إلى"السفير"و"الأخبار"نهض اسم جوزف سماحة قلماً حرّاً بالممارسة لا بالشعار، وكاتباً طليعياً ذا صدقيّة، يقرأ بالبصيرة ما قد يفوت بصر الآخرين من بُعد الحدث وتقاطعاته. صحيح انّ"الأخبار"أثبتت كونها مؤسّسة، أي هيئة قابلة لاستمراريّة ليست للفرد، إلاّ أنّ غياب صاحب المقال الافتتاحي سيترك أثره، ولو إلى حين على كيميائها، ليس فقط لكونه وسيع المعرفة، خصيبها،،، بل لكونه ذا رأي راجح، وزين، مدروس ومستقل. فهو لم يكن تهويمياً ولا طوّاف سياسة... تمنَّع عن الإعلام الرخيص، ترفَّع عن المبتذلات اللبنانيّة، واختار النفاذ. من فلسطين إلى العراقفلبنان حذّر ذلك المارق على الولاءات العصبوية الأولى من الإرهاصات الداخليّة لحروب أهليّة هيّأت لها مطابخُ القرار... وباكراً كبعض معلّميه الأوائل، أدرك خطر الصهيونيّة الداهم. وغذّى وعيه لذلك الخطر بتحديث معلوماته ومتابعته الجادّة لمراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية، لكنْ بعين نقّادة ورؤى كثيفة. أبا زياد... أيّها المقاوم الواضح في زمن الهويّات الزائفة وضياع البوصلة. ستبقى علامة فارقة في الإعلام المعاصر، وسيبقى نتاجك كلمات من ضوء، كَتَبَتْها يد من ضوء على صفحات من ضوء. ربيع الدبس - لبنان