مضى أسبوع على وفاة مي غصوب، الكاتبة والفنانة والناشرة، ولم يزل جثمانها راقداً في أحد مستشفيات لندن بانتظار انجاز الاجراءات الروتينية. اصدقاؤها الكثر في لندنوبيروت ينتظرون لحظة وداعها، وهم لم يصدقوا حتى الآن خبر رحيلها المفجع. انهم يتحرّقون للمشاركة في الموعد الاخير معها، هي الصديقة الوفية، صاحبة القلب الكبير، التي رحلت من غير ان تعلمهم عن هذا الرحيل الباكر. والدها المحامي ريمون ووالدتها ماغي اللذان لم يتحمّلا الصدمة، في شيخوخة العمر، يغمرهما الحزن الشديد وهما يتلقيان التعازي منذ ايام، في المنزل في أحد أحياء بلدة"بيت شباب"المتنية شرق بيروت. والجميع يسألهما: متى تأتي مي ولو محمولة على الراحات. اما زوجها الزميل حازم صاغية فما برح يتلقى التعازي في لندن وقد أمّ المنزل الكثيرون من الأصدقاء والصحافيين والمثقفين اللبنانيين والعرب والأجانب. الأسبوع الذي مر كان أليماً، وأليمة كانت ايضاً ايام الانتظار. وما زاد من حيرة الأصدقاء في لندن أن أحداً منهم لم يودّع مي، اما اصدقاؤها في لبنان فجميعهم في انتظار عودتها الأخيرة الى الوطن - الأم، الذي لم تفارقه بالروح على رغم البعاد. مي غصوب التي لم تُكمل الخامسة والخمسين كانت مبدعة في كل ما قامت به وأنجزته. كانت في حقل الكتابة صاحبة قلم جريء وفكر ثابت ومعرفة واسعة. وفي حقل النشر أحدثت ثورة ثقافية متحدية الظروف الصعبة التي يعانيها الكتاب العربي، وفي فنون المسرح و"التجهيز"والنحت كانت تلك المبدعة التي تضع الكثير من ذاتها في أعمالها والكثير من أعمالها وكوابيسها ورؤاها. في حوار غير منشور أجراه معها الكاتب المصري سيد محمود في مدينة قرطبة الأندلسية عام 2004 نصه في الصفحة 16 تتحدث مي عن تجاربها المتعددة، كاتبة وناشرة وفنانة، وتتناول قضايا ثقافية واجتماعية، ما زالت مطروحة بشدة، وتتطرق الى حركة النشر العربي والمشكلات التي تواجهها، وتأخذ على بعض الناشرين عدم اعترافهم بحقوق المؤلفين. وتتكلم عن قضية المرأة في المجتمع العربي وما تعانيه في ظل السلطة الذكورية. وتمتدح الكتاب معتبرة اياه"صورة من صور الخلاص". وتتحدث عن النحت وعن شغفها بالعمل اليدوي وعن مفهوم الحداثة العربية وما بعد الحداثة. وتتناول ما تسميه"فوران الهويات"مميزة بين الهوية القومية والهوية الثقافية. هذا الحوار العميق والشامل يبدو كأنه اجري معها اليوم وليس قبل ثلاث سنوات، نظراً الى افكار مي، الراهنة دوماً والمتجددة دوماً.