استمرت الجرافات الاسرائيلية خلال الايام الماضية في عمليات الحفر والتجريف في محيط المسجد الاقصى وباب المغاربة على رغم التنديدات والادانات العربية والفلسطينية، ويبدوا ان الاهداف الإسرائيلية من وراء النشاط الاستيطاني المحموم في القدس هي محاولة فرض أمر واقع استيطاني إسرائيلي على الارض في مدينة القدس يصعب الانفكاك عنه في حال انطلقت مفاوضات جديدة مع الطرف الفلسطيني. وعمليات الحفر الاسرائيلية في القدس وحولها لم تتوقف البتة، حيث تعتبر من أخطر ما يجب أن يتوقف عنده المرء ، وتسعى السلطات الاسرائيلية الى تنفيذ حفريات مدروسة تحت أسوار المسجد الاقصى. الامر الذي يهدد بنيانه بالانهيار، وتعتبر تلك الاجراءات والاعمال انتهاكاً صارخاً لحرمة المسجد الأقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين، وأرض الاسراء والمعراج، وهو المسجد الذي بارك الله حوله. وجنباً الى جنب مع الحفريات الاسرائيلية المذكورة سلطت وسائل الاعلام الاسرائيلية خلال الأسابيع القليلة الماضية الضوء على مخططات اسرائيلية لإتمام مشروع القدس الكبرى، الذي يهدف الى ربط القدسالشرقية بمستوطنات اسرائيلية في الضفة الفلسطينية، وبخاصة مستوطنة معاليه ادوميم اكبر تلك المستوطنات، ويعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون الميت سريرياً، اول من بلور فكرة القدس الكبرى، وذلك عندما كان وزيراً للبنى التحتية في حكومة نتنياهو عام 1997، وتهدف الخطة الى جذب مليون مهاجر يهودي للاستقرار في شرق القدس ومحيطها لتعزيز الواقع الديموغرافي في المدينة لمصلحة اليهود، بغية محاصرة آمال الفلسطينيين في جعل القدسالشرقية عاصمة دولتهم المنشودة. پ وبالعودة الى الخامس عشر من ايار وهو اليوم الذي اعلن فيه عن إنشاء اسرائيل، كانت مساحة القدس 21.1 كيلومتر مربع، منها 20 كيلومتراً مربعاً هي مساحة القدس الجديدة، وانقسمت القدس بعد هذا التاريخ واتفاقية الهدنة في العام 1949 إلى المناطق التالية: أولاً: المنطقة العربية وتشمل 2.4 كيلومتر مربع أي 11.48 في المئة من مساحة القدس. ثانياً: المنطقة التي احتلها الإسرائيليون 17.7 كيلومتر مربع أي 84.03 في المئة من مساحة القدس. ثالثاً: منطقة الأمم المحدة كيلومتر مربع واحد أي 4.39 في المئة. لم تكتف السلطات الإسرائيلية باتخاذ القدس الجديدة عاصمة لها بعد العام 1948، بل أعلنت ضم القدسالشرقية إلى القدس الجديدة بعيد احتلالها للضفة وقطاع غزة العام 1967، وقد أعلن الضم الإسرائيلي للقدس بتاريخ 30 / 7/ 1980 ومنذ السنة المذكورة بدأت مخططات الاستيطان في شأن تهويد القسم الشرقي، واستطاعت السلطات الإسرائيلية عبر إجراءاتها التعسفية طرد جزء كبير من العرب، وامتلاك عقارات عديدة، كما استطاعت حتى اللحظة إقامة عشرين حياً استيطانياً تلف المدينة وتحيطها من كل اتجاه، وتحول دون تواصلها الديموغرافي مع بقية مدن الضفة الفلسطينية، وقد استطاعت السلطات الإسرائيلية جذب نحو 190 ألف مستوطن يهودي إلى تلك الأحياء حتى التاريخ المذكور، وفي المقابل وعلى رغم السياسات السكانية الإسرائيلية تجاه العرب في المدينة لا يزال هناك نحو 320 ألف عربي في بداية العام 2007 يشكلون إحدى ركائز المواجهة مع المشروع الاستيطاني الاسرائيلي، هذا فضلاً عن وجود خمسين مؤسسة فلسطينية. وعموماً بات يوجد في"القدس الموحدة"التي تحاول إسرائيل الإبقاء عليها كعاصمة أبدية لإسرائيل، أكثر من 700 ألف نسمة بينهم أكثر من 73 في المئة من اليهود وهناك مخططات استيطانية إسرائيلية لبناء 153 ألف وحدة سكنية حتى العام 2010 بحيث يصل مجموع سكان المدينة في السنة المذكورة 817 ألف نسمة أكثريتهم من اليهود. ويمكن استيضاح أهمية القدس في المشاريع الاستيطانية الإسرائيلية منذ العام 1948 مروراً بالعام 1967، وحتى عام 2007 من خلال مجموع سكانها اليهود الآخذ بالنمو لتحقيق أهداف سياسية وديموغرافية في الوقت نفسه، فمن جهة بات مجموع المستوطنين اليهود في مدينة القدسالشرقية يشكلون نسبة كبيرة من المستوطنين في كل الاراضي المحتلة، وفي الاتجاه الآخر، بات مجموع السكان اليهود في القدس الكبرى يشكلون نحو 11.1 في المئة من إجمال مجموع اليهود في الدولة العبرية والأراضي العربية المحتلة. والصراع الديموغرافي في القدس الذي أخذ طابع التخطيط الرسمي الصهيوني منذ انعقاد مؤتمر بال في سويسرا العام 1897 هو جزء من صراع ديموغرافي بين العرب واليهود في فلسطين، مع الأخذ في الاعتبار بأن للقدس مكانة مهمة في مخططات التهويد والاستيطان الصهيوني والإسرائيلي لفرض التفوق الديموغرافي لليهود على العرب في المدى البعيد. ويمكن التأكيد بأن جذب اليهود إلى القدس وغيرها من المدن الفلسطينية إضافة إلى مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات والسيطرة على عقارات فلسطينية بكل السبل المادية والمعنوية وعمليات حفر وتجريف متعمدة في احياء مختلفة من القدس تعتبر ركائز إسرائيلية لتهويد أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية في القدس. وفي الاطار المذكور تدرج عمليات الحفر والتجريف في باب المغاربة ومحيط المسجد الأقصى مؤخراً، حيث أكدت وسائل الإعلام الاسرائيلية الى ان هناك اهدافاً محددة لعلماء والآثار الاسرائيليين من وراء الحفريات في القدس وتتلخص بالنقاط التالية. اولاً : محاولة الكشف الأثري على الحائطين الجنوبي والغربي للحرم الشريف وعلى امتداد طوله 485 متراً توطئة لكشف ما يسمونه بحائط المبكى. ثانياً : العمل على هدم وازالة جميع المباني الإسلامية الملاصقة من معاهد ومساجد وأسواق ومساكن قائمة فوق منطقة الحفريات وملاصقة أو مجاورة لهذا الحائط وعلى طول امتداده. پ هذا الزحف الاستيطاني في المدينة المقدسة لجهة تهويد معالمها العربية والإسلامية والمسيحية والذي يمول مباشرة من الحكومة الإسرائيلية ومن الأثرياء اليهود في العالم، بات يتطلب جهوداً عربية وإسلامية ودولية حثيثة لوقفه حتى لا تفرض وقائع جديدة على الأراضي يصعب الانفكاك عنها، ويجب إقامة صندوق عربي إسلامي لتمويل صمود أهالي المدينة من العرب في منازلهم وأراضيهم في القدسالشرقية، فضلاً عن حضهم على عدم بيع عقاراتهم ليهود أو وسطاء لهم في المدينة المقدسة. المخاطر المحدقة بمدينة القدس تتفاقم، خصوصاً تلك التي تستهدف تهويد المقدسات، الأمر الذي يتطلب جهداً عربياً وإسلامياً جماعياً استثنائياً من خلال الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد يكون العمل الأهم الضغط في الأروقة الدولية من اجل تطبيق القرارات الدولية الصادرة والتي تؤكد بطلان كل الاعمال والوقائع الاسرائيلية في مدينة القدس من جهة ، ووقف الحفريات في محيط الأقصى وأسفل الاسوار وفي باب المغاربة أيضاً. وعلى رغم النجاحات التي حققها المشروع الصهيوني في مدينة القدس خلال مئة وتسعة سنوات من الصراع 1897-2007 فإن هناك أسباب قوة للطرف الفلسطيني في الصراع في القدس وحولها، تتمثل في قرارات الشرعية الدولية التي مازالت تعتبر القدس جزءاً من الأراضي المحتلة في مقدمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 للعام 1980، ناهيك عن وجود مادي عربي في المدينة يتمثل بنحو 320 ألف عربي، كما يستند الفلسطينيون إلى وجود مؤسسات فلسطينية يصل عددها إلى خمسين مؤسسة. * باحث فلسطيني