لماذا يهرب المرء أحياناً من اللحظة الراهنة؟! مستدعياً ماضياً لا يعود، أو رانياً مستقبلاً غير كائن، وقد لا يكون، أليست الحياة الآن؟! فلم نفر من الحياة؟! لهذه الحالة الغريبة أسباب تختلف باختلاف ظروفها، وأحوال الواقع فيها. ولو أجملنا لقلنا إن السبب هو إما سوء اللحظة بالفعل، أو تطلع النفوس الدائم إلى الأفضل، فقد يكون في طبع البشر أن يستخفوا المملوك، ويتطلعوا إلى غيره، وإلا يكن كذلك، فلم لا يحب الناس"الأخبار"كما يحبون الشعر؟ ولم يحبوا في الشعر الخيال، ولا يستخفهم شعر صادق؟ وقد قالوا:"أعذب الشعر أكذبه"! في الإنسان نزعة إلى الكمال لا يجده في الواقع، فيترقبه في المستقبل، أو يترقب قريبه. هذا شأن المستقبل، فما سر استدعاء الماضي؟ لست من القائلين بحنين الإنسان إلى الماضي المطلق، وآية ذلك أن في الماضي ذكريات مؤلمة يحرص الإنسان على طمسها، إذن هو يستعيد من الماضي ما يفتقده في الحاضر. فالاتجاه إلى الوراء محاولة لتغشية الواقع بغشائه، أما الاتجاه إلى الأمام فمحاولة للارتقاء بالواقع إلى المثال الذي يطمح الإنسان إليه. وبين الانشداد إلى الماضي والتطلع إلى المستقبل تضيع اللحظة الراهنة، فأمل الإنسان الدائم بالمستقبل الأفضل قد يزهده في الحاضر، فيظلمه، والظلم يجمع بين وضع الشيء في غير موضعه، والتعدي أو الاستلاب، فليس وضع الشيء في غير موضعه من دون التعدي عليه ظلماً، ولو تقبلت اللحظة فعشتها واستشعرتها لما ظلمتها، وإذا فعّلتها لتلد لك لحظات تتجاوز اللحظة فقد أنصفتها. أسامة عثمان - فلسطين - بريد الكتروني