ضحكت الراحلة بينظير بوتو من القلب، عندما طلبت منها أن تخص جريدة "الحياة" بأول حوار صحافي معها بعد فوزها في الانتخابات الباكستانية التي كانت تستعد لها يوم مقتلها، وكان من المتوقع أن يفوز حزبها بأكثرية المقاعد النيابية وتصبح للمرة الثالثة رئيسة وزراء باكستان، وجاء جوابها فوراً:"أعدك بذلك". پلم يطل حوارنا الهاتفي الذي كان في 20 كانون الأول ديسمبر الجاري. واقتصر على العموميات. لكنني عندما سألتها عن اندفاعها بين حشود الجماهير، على رغم التهديدات بقتلها، قاطعتني بنبرة واثقة:"اعتمدي على الله، ولا تخافي". پبدا اغتيال بوتو شبيهاً إلى حد كبير بمقتل زعيمة أخرى تنتمي إلى الجزء نفسه من العالم، هي أنديرا غاندي التي رافقتها في جولة انتخابية في ولاية ادريسا الهندية في آخر يومين من حياتها في تشرين الأول أكتوبر 1984. وكنت سألتها قبل قتلها بساعات عن الإجراءات الأمنية المتساهلة حولها على رغم تهديدات السيخ المتطرفين، فأجابت:"أنا لست من المؤمنين بنظرية القدر إلى حد بعيد، ولكن في ما يتعلق بمسألة الحياة والموت، أجد أن المُقّدر لي سيحدث". پفي أيلول سبتمبر الماضي، كان آخر لقاء مع الراحلة بوتو على مائدة غداء في أحد مطاعم لندن، برفقة مرافقتها الدائمة النائب ناهيد خان التي أصيبت خلال الانفجار، وزميلتها الدكتورة فاهميدا ميرزا. تطرق الحوار يومها إلى مواضيع عدة. وحين سُئلت عن سبب عودتها إلى باكستان على رغم المخاطر التي تهدد حياتها، أجابت بتصميم:"لا بد لي من اتمام ما بدأه والدي، أنا متفائلة ومصممة على إنقاذ بلدي. أولادي قلقون ولا يريدون عودتي إلى باكستان، ولكنهم في الوقت نفسه يقدرون موقفي ويتفهمون مشاعري. باكستان ستتحول إلى دولة متطرفة بين خمس وسبع سنوات إذا لم نهزم الديكتاتورية والفقر والأمية، أعلم أن هذا ليس سهلاً، ولكن لا بد من البداية، وأنا مؤمنة بأنني قادرة على بداية الطريق. لا أفكر بمستقبل أولادي فقط، بل بكل الأولاد الباكستانيين". پكان اللقاء الأول مع بوتو في مكتبها في إسلام آباد بعد أسابيع من توليها رئاسة الوزراء الأولى. ويومها، أبدت إعجابها الشديد بأنديرا غاندي، وتحدثت عن صداقة عائلتيهما وعن العوامل التي تجمع أشهر عائلتين سياسيتين في شبه القارة الهندية. وهي كانت واثقة من قدرتها على الإنجاز. پ غير أن حكومتيها كانتا بعيدتين كل البعد من تحقيق الطموحات التي تحدثت عنها: تحقيق العدالة الاجتماعية ومحو الأمية ونشر الديموقراطية في البلاد والحد من الفساد الإداري والسرقات. بل أن زوجها آصف علي زرداري اتهم بسرقة أموال الدولة والفساد واشتهر بلقب"السيد عشرة في المئة"، في إشارة إلى نسبة العمولات التي تردد أنه كان يفرضها على رجال الأعمال في البلاد. پوانتشرت إشاعات حول تعاسة بينظير في حياتها الزوجية وتصرفات زوجها الصبيانية وخيانته لها. وهي تحملت في الوقت ذاته مقتل شقيقها الصغير شهناوان في ظرووف غامضة في شقته في جنوبفرنسا في العام 1980 بعد عام من شنق والدها ذو الفقار علي بوتو. غير أنها تقبلت هذا كله بصبر لا حدود له، وكانت متفائلة ومرحة وواقعية. پكان هاجسها خلال الأسابيع الأخيرة هو الانتخابات المقبلة، وكيفية الحد من مد التطرف والإرهاب، وكانت تردد دوماً أن الشعب الباكستاني يكره المتطرفين، بل هو بطبيعته تواق إلى الوسطية. وهي كانت تعتقد بأن الميل للتطرف أوجده الاستبداد والابتعاد عن الديموقراطية. وهي كانت تشدد على ضرورة البدء في التخلص من المدارس الدينية التي تحولت معاقل للتطرف والإرهاب، إضافة إلى"محاربة الفقر المأسوي"الذي تستغله الجماعات المتطرفة لتغري العائلات الفقيرة بالمال وتجند أولادها. پعلى أنها كانت تعترف بأن هذه الأحلام تتطلب وقتاً طويلاً. وفي آخر حوار، قالت إن مأساة الباكستانيين تتلخص في صراعين: الديموقراطية مقابل الديكتاتورية، والحداثة مقابل التطرف الذي أساسه الجهل والفقر والديكتاتورية. كان يؤلمها التوتر السني - الشيعي،"فهو بعيد جداً من القرآن والدين الإسلامي الحقيقي". كانت آخر كلماتها في الحوار عن عودتها إلى باكستان:"تفرحني بشدة. أتذكر رائحة الهواء ومنظر الزهور، وذكريات المنفى ووجوه الناس الطيبة المخلصة".