أكثر من 60 مشروع قانون إصلاحياً واتفاقاً دولياً وثلاثة مشاريع موازنة، تقبع في أدراج المجلس النيابي اللبناني. وتشكل هذه المشاريع مدماكاً في برنامج "باريس -3"، ومرتكزاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتطوير الأسواق المالية وتحديث شبكة الأمان الاجتماعية، وهي الشروط المطلوبة للحصول على دعم المجتمع الدولي لاقتصاد لبنان بكل قطاعاته. وتنتظر هذه المشاريع انفراج التأزم السياسي ليعود النواب الى وظيفتهم التشريعية لمناقشتها وإقرارها، وبالتالي تسلّم أموال الجزء المخصص لهذه الشريحة من الإصلاحات. وتكاد هذه السنة تُقفل على تأزم سياسي، اشتد أخيراً مع استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، وسبقته أحداث أمنية تراوحت بين الاغتيالات وحرب مخيم نهر البارد لمئة يوم، فأُضيفت هذه العوامل الى تداعيات حرب تموز يوليو 2006، التي حملتها هذه السنة لتتفاقم الأعباء المالية على الدولة، وتتراكم الخسائر التشغيلية لدى القطاع الخاص، ولتؤدي الى توسع دائرة هجرة الأدمغة اللبنانية في ظل انعدام الاستقرار وفرص العمل بفعل تراجع الاستثمارات والمشاريع. وانتهت فصول هذه السنة بارتفاعات قياسية في أسعار الاستهلاك، بلغت الذروة في الربع الأخير لأسباب خارجية وداخلية، خصوصاً ارتفاع أسعار النفط واليورو وأسعار المواد الخام الأساسية لإنتاج مواد غذائية، لتتراجع القدرة الشرائية للفرد اللبناني، بحسب ما كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لپ"الحياة"بين 10 و15 في المئة. لم تواكب نتائج"باريس -3"، الذي عقد مطلع 2007، ظروف سياسية وأمنية مناسبة لاستغلال كامل الدعم المالي الذي حصّله لبنان وبلغ 7.6 بليون دولار، فضاعت فرص ووقت، باستثناء ما يتعلق بالمشاريع، وإطلاق تخصيص شبكة الهاتف الخليوي. إذ نأت السلطات المالية والنقدية عن التجاذبات وعملت في الوقت الذي أضاعته السياسة، لتنفذ فصولاً مباشرة تتصل بهذا الدعم، فيما أنجزت الحكومة خطوات تتعلق بتعهدات مؤتمر باريس 3 منها: توقيع اتفاقات تمويل بأربعة بلايين دولار، من ضمنها بليونا دولار لدعم الإصلاح، وتسلم منها لبنان 1.5 بليون دولار. وتمثلت الخطوة الثانية بتخصيص الجزء الثاني من المساهمة لدعم النهوض الاقتصادي، وحصل لبنان بموجبه على 1.3 بليون دولار، تسلم بليوناً، لتمويل مشاريع القطاع الخاص. وكان الجزء الثالث، لدعم مشاريع إنمائية ووُقعت اتفاقات بنحو 1.5 بليون دولار. إلا أن هذا المبلغ، بحسب ما أوضح وزير المال جهاد أزعور في حديث الى"الحياة":"لا يمكن أن يصبح نافذاً إلا بعد أن يفتح مجلس النواب أبوابه لإقرار مشاريع حيوية إنمائية". ولفت الى"تنفيذ أكثر من 3 بلايين دولار منها ما يزيد على 900 مليون لتمويل مشاريع في القطاع الخاص، ولدعم الدولة والإصلاح بأكثر من 1.5 بليون دولار، تساهم في خفض تكلفة الدين العام". يُضاف الى ذلك، القرض الفرنسي بقيمة 500 مليون يورو، على أن يتسلّم لبنان ما يعادل 220 مليون دولار، بعدما وافق المجلس النيابي الفرنسي على الدعم، فضلاً عن موافقة الاتحاد الأوروبي على المساهمة الأوروبية لدعم الإصلاح في القطاع العام، البالغة مئة مليون دولار، وكذلك 80 مليون دولار من صندوق النقد العربي". 2007 الأصعب سياسياً واقتصادياً واعتبر أزعور أن هذه السنة كانت"أصعب السنوات على لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً". فعلى الصعيد المالي والاقتصادي،"بلغت تكلفة تداعيات حرب تموز على المالية العامة نحو بليون دولار، وانعكس التشنج السياسي والضغط الأمني على الاقتصاد وحركة الاستثمار، يُضاف اليها ارتفاع أسعار النفط من 52 دولاراً بداية السنة الى 97 دولاراً تقريباً". وكان لذلك، بحسب أزعور"تأثير ضخم على الدولة، إذ بلغت فاتورة دعم البنزين 500 مليون دولار وتجاوزت تكلفة الكهرباء البليون دولار". واضطرت الدولة الى زيادة الدعم، نتيجة الارتفاع في أسعار المواد الأولية واليورو التي انعكست على أسعار الاستهلاك. وتأثرت حركة الاستثمارات بسبب الهزة التي شهدتها أسواق المال العالمية، والتشنج السياسي المحلي الذي"كان تأثيره أشد سلبية". إزاء هذه الظروف الصعبة كلها، أكد أزعور أن لبنان والحكومة"كانا أمام تحديين كبيرين، الأول يتمثل بالحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي وإزالة آثار حرب تموز وإطلاق برنامج"باريس ?3"، وعلى رغم التطورات"جاءت النتائج على صعيد إدارة المرحلة مرضية"، إذ تحقق تحسن في مالية الدولة، وانخفض العجز في الشهور العشرة الأولى من السنة 10 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ليشكل 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وارتفع الفائض الأولي الى ما يزيد على تريليون ليرة 700 مليون دولار، بعدما كانت تتوجب على الدولة معالجة تداعيات حرب تموز، التي فرضت زيادة في الإنفاق على بنود منها الأمن والإعمار والكهرباء". على مستوى الدين العام،"تمكنت الدولة من إعادة تمويل 10 بلايين دولار بالليرة استحقت هذه السنة، إضافة الى ثلاثة بلايين دولار ديوناً. وعلى رغم ذلك، استمرت معدلات الفوائد مستقرة. وخُفض الدين المستحق لمصرف لبنان المركزي بما يزيد على 3 بلايين دولار، وارتفع الدين العام 0.4 في المئة وانخفضت نسبته من الناتج المحلي من 178 في المئة نهاية 2006 الى 172 في المئة نهاية هذه السنة، وسيبلغ حجم الدين الصافي 39.7 بليون دولار، مقابل 39.2 بليون نهاية العام الماضي". واكد وزير المال ان الإيرادات الإجمالية في الشهور ال11 الأولى من هذه السنة"سجلت زيادة 19 في المئة، وبلغت حصيلة الضريبة على القيمة المضافة 1.240 بليون دولار بزيادة 21 في المئة عن 2006". تنفيذ البرنامج الإصلاحي على صعيد البرنامج الإصلاحي، نُفذت إجراءات في 2007 ، باستثناء التي تحتاج الى قوانين بسبب إقفال المجلس النيابي. وكان متوقعاً تحقيق نمو فعلي يفوق ستة في المئة هذه السنة، لكن"لم نتمكن من تحقيق أكثر من 2.5 الى 3 في المئة، بحسب أزعور، ما"انعكس على فرص العمل ومالية الدولة والوضع الاجتماعي والقدرة الاستثمارية". وحدد تحديات تنتظر لبنان في السنة المقبلة، تتمثل الأولى في دراسة تأثير ارتفاع الأسعار على القدرة الشرائية، وعملت لجنة داخلية مع خبراء دوليين على دراسة تأثير أسعار النفط والآليات للمعالجة، وستؤلف لجنة من خبراء لبنانيين لدراسة السياسات والحلول لمواجهة تأثير الأسعار. ويتمثل التحدي الثاني بإعادة وضع لبنان على الخريطة الاقتصادية العالمية في ظل النمو المحقق في المنطقة، فضلاً عن وجوب إطلاق مشاريع إنمائية. وشدد على وجوب عقد مؤتمر اقتصادي وطني يخرج بورقة عمل تصوغ الخطط الاقتصادية لعشر سنوات، يتم التوافق عليها والتزامها، وتُحيّد أهدافها عن التجاذبات السياسية، لتشكل مدخلاً الى تعافي لبنان اقتصادياً ومالياً. يُضاف إطلاق ورش لتعزيز حجم الاقتصاد وفرص النمو عبر قطاعات النقل والاتصالات والخدمات، وتحسين البيئة الاستثمارية. ولم يغفل أهمية صوغ عقد اجتماعي جديد يُبنى على ركائز، تتمثل بپ"شبكة الأمان الاجتماعي لمحاربة الفقر والتهميش، بالتعاون مع الأممالمتحدة والبنك الدولي، وتغيير نظام التقديمات الاجتماعية من النظام المعتمد على الطائفية والمحسوبية السياسية الى نظام يعتمد معايير تنموية، وتطوير نظام التعاضد الاجتماعي من خلال نظام الشيخوخة وتطوير الضمان الاجتماعي، وإعادة تقويم الخدمات الصحية والتعليمية". وشدد على أن الاقتصاد اللبناني"يتمتع بقدرة كبيرة على النهوض، وأمام لبنان فرص كبيرة إذا عرفنا استغلالها من خلال الاستقرار السياسي والأمني والعملية الإصلاحية". صندوق النقد : السلطات بلغت الأهداف على رغم المناخ السياسي الصعب، أكد تقرير لصندوق النقد الدولي شكّل خلاصة وضعها فريق منه زار لبنان الشهر الماضي، أن السلطات"نجحت ببلوغ الأهداف الكمية كلها التي وُضعت نهاية أيلول سبتمبر الماضي". ووصف الإصلاح المحقق بأنه"كان أفضل من المتوقع". إذ لاحظ أن خفض الدين كان"أسرع"، كما استطاع مصرف لبنان المركزي وبفضل دفق كبير من الودائع"تجميع الاحتياط من العملات الأجنبية، بوتيرة أسرع من تلك التي كانت مستهدفة، وتقلّصت ديون الدولة المحمولة من المصرف المركزي، كما كان مفترضاً". وفي هذا المجال، توقع أن تستمر هذه التطورات الاقتصادية والمالية في الربع الأخير من هذه السنة،"ما يشير الى قدرة الحكومة على بلوغ الأهداف التي وضعها لنهاية كانون الأول ديسمبر الجاري، أو حتى تخطيها". ولأن التوقعات المستقبلية الاقتصادية"لا تزال رهناً بالتطورات السياسية"، افترض الصندوق في تقريره"ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي ما بين 2 و3 في المئة هذه السنة". فيما توقع أن يبلغ التضخم نهاية السنة 5 في المئة من كانون الأول حتى كانون الأول، من دون أن يسقط من تقريره ازدياد التضخم في الربع الثالث، مع ارتفاع أسعار السلع دولياً وتدني قيمة الدولار أمام اليورو. كما لفت الى أن دفق دعم المانحين الخارجيين للسلطات"لم يبلغ الأرقام المتوقعة"، إذ لم تحصل الحكومة حتى تاريخه إلا على"نسبة محدودة من الهبات التي وُعدت بها في كانون الثاني يناير 2007 خلال مؤتمر"باريس -3". ونقل التقرير عن السلطات اللبنانية، توقعها"مواصلة الإيرادات أداءها الجيد"في الربع الأخير، بغض النظر عن النقص الناتج من الرسوم. ورجح أن تستمر"التدفقات المالية بالخطى الثابتة ذاتها خلال ما تبقى من السنة، ومن شأن ذلك أن يسمح للمصرف المركزي الحفاظ على المستويات الحالية للاحتياطات الدولية أو تحقيق تقدم طفيف فيها".