بلغ الاشتباك السياسي بين الأكثرية والمعارضة في لبنان، ذروته وأخذ ينذر بسقوط الخطوط الحمر، بعدما تبادل الطرفان اتهامات تجاوزا فيها كل الحدود، ومن شأنها تعطيل الجلسة النيابية التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري السبت المقبل، لانتخاب رئيس جمهورية جديد. ويُعتقد بأن هذه الجلسة ستنضم حتماً الى المحاولات السابقة التي مُنيت بالفشل، بسبب استمرار الاختلاف على آلية تعديل الدستور، إفساحاً في المجال أمام انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً. راجع ص5 ولم يكن القرار الذي اتخذته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لإعداد مشروع القانون الخاص بتعديل المادة 49 من الدستور من أجل إتاحة الفرصة أمام سليمان للترشح للرئاسة، مقروناً بفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، السبب الأول لعودة التصعيد السياسي بمقدار ما انه ناجم عن الوصول الى طريق مسدود، ما زال يحول دون الاتفاق على تسوية سياسية تتجاوز انتخاب سليمان الى التفاهم على العناوين الرئيسة للمرحلة المقبلة. فالتعديل الدستوري الذي اقترحه مجلس الوزراء لقي رد فعل عنيفاً من المعارضة بكل أطيافها، خصوصاً انها اعتبرته بمثابة خطوة من الأكثرية للهروب الى أمام والتخلي عن التزاماتها السابقة في انتخاب العماد سليمان، بذريعة ان انتخابه بموجب المادة 74 من الدستور لا يحتاج الى تعديل دستوري، طالما ان الفراغ حاصل في الرئاسة الأولى، ما يؤدي الى إسقاط المهل التي تستدعي من قائد الجيش الاستقالة من وظيفته قبل ستة شهور من ترشحه للرئاسة. في المقابل، اتهمت مصادر رفيعة المستوى في الأكثرية، المعارضة بأنها ليست أساساً في وارد السير قدماً في انتخاب سليمان، وأنها كانت"تناور"بخلاف الموقف الثابت لقوى 14 آذار التي سبق لها من خلال قطبيها رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري ورئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ان تفاهمت مع بري على مخرج لانتخاب سليمان باعتماد النص الوارد في المادة 74، وكان يُفترض اتمام عملية الانتخاب في جلسة 17 الجاري لكن القوى الأخرى في المعارضة خصوصاً رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"العماد ميشال عون اعترض بشدة على التسوية فيما سعى"حزب الله"الى ربطها بسلة من الشروط السياسية، أبرزها موافقة الأكثرية على إعطاء المعارضة الثلث الضامن في الحكومة. ولفتت المصادر ذاتها الى ان تفاهم بري - الحريري - جنبلاط على المخرج الذي لم يرَ النور، وإن حظي بتحفظ عدد من النواب المسيحيين المنتمين الى الأكثرية، فإنه قوبل بمعارضة شديدة من العماد عون الذي هدد من خلال بعض نوابه في تكتل"التغيير والإصلاح"بالطعن في شرعية انتخاب سليمان. وأكدت المصادر ان المشكلة ليست عند بري وأن قرار مجلس الوزراء الرامي الى تعديل المادة 49 لم يكن موجهاً ضد بري الذي لا يعترف بشرعية الحكومة ودستوريتها، وإنما لم يكن هناك مفر من اتخاذه، في ضوء تهديد عدد من السياسيين المنتمين الى"التيار الوطني الحر"بالطعن بشرعية سليمان، في حال انتُخِب ايضاً في الدورة الاستثنائية للبرلمان. الى ذلك، اعتبرت مصادر في المعارضة مقربة من بري أن التواصل مع الأكثرية انقطع، وأن لا أمل بإعادة الاعتبار إليه ما لم تبادر قوى 14 آذار الى إزالة العقدة المتمثلة في إحالة الحكومة"الفاقدة للشرعية"مشروع القانون الخاص بطلب تعديل الدستور، خصوصاً انها تعرف سلفاً موقف رئيس المجلس الرافض لمبدأ تسلم ما تحيله هذه الحكومة على البرلمان. كما اتهمت المصادر عينها الأكثرية بأنها"مرتاحة"الى"مصادرة الحكومة الفاقدة للشرعية الصلاحيات العائدة لرئيس الجمهورية"، وأنها تدفع بالبلد الى الاستمرار في الفراغ الحاصل في سدة الرئاسة الأولى، بالتالي لا تريد انتخاب العماد سليمان، إضافة الى اتهامها إياها بأنها تتلقى تعليماتها من الخارج، تحديداً من الولاياتالمتحدة التي تسعى الى الالتفاف على المبادرة الفرنسية. لكن المصادر في الأكثرية استغربت تجدد الحملة على الحكومة من المعارضة التي عليها بدلاً من ان تكيل الاتهامات ان تبادر الى اختبار نيات"الفريق الحاكم"للتأكد من انه ثابت على موقفه الداعم لانتخاب سليمان، وأن من يريد إيصال الأخير لا يضع سلة من الشروط، وكان من الأفضل له التسليم بوزير يوضع في خانة الرئيس العتيد في مقابل تخلي الأكثرية عن مطالبتها بثلثي أعضاء الوزارة. وسألت المصادر عن استمرار"حملات التجني"على الأكثرية، وقالت انها حاولت من خلال جنبلاط إبقاء جسور التواصل مع بري، لكن الأخير"يعرف جيداً من أطلق النار على مبادرته وسارع الى تفويض عون الحوار مع الأكثرية بالنيابة عن المعارضة، وهو الرافض لمبدأ ترشح سليمان وإلا ما معنى تأييده له من جهة واستمرار التشكيك في انتخابه من جهة ثانية؟". كما سألت عن أسباب لجوء المعارضة الى تصعيد حملاتها على الحكومة فيما سعت الأخيرة الى التقدم بمشروع قانون لتعديل الدستور، لأن"تفسير المادة 74 منه لا يعني ابداً التعديل، لأن هناك من يعتقد ومنهم في المعارضة ان الوفاة المفاجئة لرئيس الجمهورية تسقط احتساب المهل، بالتالي شروط الاستقالة للترشح وهذا ما ينطبق على المادة المذكورة ولا يسري على الحالات الأخرى الناجمة عن تعذر انتخاب الرئيس والذي ادى الى الفراغ". وأوضحت المصادر ان الأكثرية توخت من طلب تعديل الدستور"حماية ترشح سليمان ومن ثم انتخابه في وجه من يلوح منذ الآن وهو في المعارضة بنية الطعن في شرعية انتخابه، بالتالي فإن المشكلة عند المعارضة التي لم تتفق على موقف موحد من ترشحه وانتخابه". وإذ اعترفت المصادر بأن بري حاول من خلال اتصالاته التي أجراها بالواسطة مع عدد من الوزراء، تأجيل الجلسة تحت عنوان تجنّب استفزاز المعارضة من جهة وعدم حشرها في الزاوية إفساحاً في المجال امام الرهان على امكان التوافق في جلسة السبت المقبل على انتخاب سليمان، سألت المصادر في المقابل عن جدوى اتهام المعارضة للأكثرية بأنها مرتاحة الى وضعها في الحكومة، وأنها تستمر في مصادرة الصلاحيات العائدة لرئيس الجمهورية. وتابعت المصادر ان نواب المعارضة يتهمون الأكثرية بأنها تتلقى التعليمات من الإدارة الأميركية، فهل يشكل موقفها الأخير برفضها انتخاب الرئيس بالنصف زائداً واحداً بخلاف ما اقترحه الرئيس الأميركي جورج بوش، دليلاً على صحة اتهاماتها ام انها تتحامل على الأكثرية بسبب إصرارها على ملء الفراغ في سدة الرئاسة؟ ووسط كل تلك المعطيات، فُتحت أبواب الاشتباك السياسي على مصراعيه بين الأكثرية والمعارضة، فيما تخشى مصادر ديبلوماسية عربية وغربية من وجود نية لتمديد أمد الفراغ في الرئاسة الى ما لا نهاية، ما لم تطرأ تطورات مصدرها المجتمع الدولي، تضغط باتجاه انتخاب الرئيس، وعندها ستنكشف حقيقة موقف هذا الطرف أو ذاك من ترشح سليمان.