"لا مكان للتميز" هو العنوان الأدق لشارع الأمير محمد بن عبدالعزيز وسط الرياض، والمشهور باسم"شارع التحلية". استعراضات الشبان تبحث عن"التفرد"لتسجل حضوراً خاصاً بها، ولكن الشارع يصر على إيصال الرسالة التالية لمرتاديه"أياً كان طراز سيارتك ستجد أفضل منها، وأياً كان الزي الذي تلبسه ستجد أغرب منه، ولا تتباهى بدراجتك النارية فعلى يمينك أخرى أحدث منها". في نهاية الأسبوع تتقاطر أفواج الشبان على الشارع، هو ليس مزارهم الوحيد. ولكنه الأحدث بمقاهيه المتناثرة، ومتاجره الراقية، والتي تهتم باكسسوارتهم المختلفة. سواء تلك التي تخص ملابسهم، أو الأخرى التي تخص سياراتهم، ودراجاتهم النارية. الشارع ليس حكراً على الشبان وحدهم. الأسر تأتي لترتاد المطاعم الفاخرة، والمنتشرة على طول الشارع، أو للتسوق من أحد معارض الأثاث، ولكن الحضور الطاغي في النهاية للشبان وحدهم، وللمتاجر التي تهتم باهتماماتهم. الصخب والازدحام علامتان تميزان الشارع، وتليقان في الوقت ذاته بجموح الشبان والمراهقين على السواء. عندما تقف أمام إشارة المرور لا تنزعج من أصوات الموسيقى العالية عندما تقرع طبلة أذنك، وأصر صاحب السيارة الرياضية الواقفة إلى جوارك على أن تشاركه إياها من دون أن يستأذنك. فقط عليك الصمت والانتظار لحين إضاءة الإشارة الخضراء لتبتعد عن الضوضاء، وإذا تجاوزت هذه الإشارة فلا تربكك الدراجات النارية التي تمرح في الشارع طولاً وعرضاً، ربما قرر أحدهم أن يسير بدراجته على إطارها الخلفي بسرعة عالية، إذ أن لفت انتباه المارة يستحق الكثير، والكل يرمقه بنظرات الإعجاب. في الشارع محطة للوقود من فئة"الخمس نجوم"، وهي جزء من مركز متكامل للعناية بالسيارات الفاخرة تحديداًً. يقف ماهر عبدالله 24 عاماً لتزويد سيارته بالوقود، ويفاجأ بأناقة عامل المحطة، ولأنها المرة الأولى التي يتعامل فيها مع خدمات هذا الشارع، فلم يستوعب أن يكون هندام العامل يوازي أناقة مذيعي التلفزيون،"بكم سعر ليتر البنزين؟"يسأل ماهر. يبتسم العامل بعدما لاحظ انبهاره بفخامة المحطة:"لا يختلف عن أسعار المحطات الأخرى"، ينتهي ماهر ويمضي مستغرباً من أرضية المحطة الرخامية، والتي تشبه بهو فندق، ولا تقترب إطلاقاً من الصورة الذهنية المعروفة عن محطات الوقود. يجتمع فريق"الهارلي"أمام أحد المقاهي ظهر الخميس، الدراجات متوقفة بشكل انسيابي على الرصيف العريض. وأعضاء المجموعة متفرقون بين المقهى، أو لإنهاء استعدادات رحلتهم التي تنطلق بعد أن يحتسوا قهوتهم المفضلة. يقف خالد البراهيم 32 عاماً أمام دراجته ممسكاً بخوذته ويقول:"نجتمع هنا بشكل أسبوعي، وننطلق في رحلات جماعية"، ويرفض خالد وصف مجموعته بالمتهورة، وهي التهمة التي تلاحق من يقتني دراجة نارية، ويضيف:"أنا موظف في مصرف، وأعضاء الفريق محترمون، وفي وظائف مرموقة، نحن لا نؤذي أحداً، هناك صورة سلبية لا بد من إزالتها، وهناك ضرورة للتفريق بين من يمارس هوايته، ومن يقوم بإيذاء الآخرين بتهوره، كل ما في الأمر أننا نمارس هواية لا أكثر". في المساء تغص أرصفة مقاهي الشارع بالمرتادين. الأسماء العالمية في فضاء القهوة حاضرة بقوة، وليس بالضرورة أن تجد محلاً وسط هذه الجموع، على رغم كثافة المحال. ناصر الدوسري 28 عاماً وثلاثة من زملائه قرروا الجلوس في مقهاهم المعتاد. تأخروا في الحضور وكانت النتيجة"لا توجد طاولة خالية"، ينتقلون إلى مقهى آخر. لا يعجبهم الصوت العالي للمعلق الرياضي على إحدى الشاشات المتخصصة بنقل فعاليات الدوري الأسباني، لا يهمهم فوز برشلونة، أو هزيمة ريال مدريد،"نريد مكاناً نسترخي فيه، ونتحدث بهدوء"، يقول ناصر. وينتقلون الى مقهى آخر. يعترض أحد الزملاء على شكل المقاعد،"نريد أن نرتاح في سهرتنا"يقول مبرراً رفضه المقاعد المزعجة. يلمحون في الضفة الأخرى للشارع مقهى مختلفاً لم يعتادوا رؤيته في الشارع الذي يكادون يحفظون تفاصيله، وينتقلون إلى المقهى الجديد، الذي افتتح قبل أسبوعين فقط، يأخذون مكانهم في زاوية يحتفظون من خلالها بخصوصيتهم كمجموعة، من دون أن تزعجهم قهقهة هنا، أو معلق رياضي هناك. يتصل ناصر بزميله حسان، والذي لم يعلم بالاتفاق المفاجئ على السهرة، وينضم إليهم وليد متأخراً ويحتج كما عادته بالحرج من ابتعاده عن زوجته نهاية الأسبوع، بعد أن احتفل بزواجه الصيف الماضي. تبدأ السهرة وتتوالى الطلبات إلى الطاولة،"نيرفانا لو سمحت"يقول علي للنادل، ويضيف:"في المقهى المعتاد يجيدون تحضير النيرفانا، سأجرب كيف يتقنونه هنا"، بينما يحسم حسان الواصل متأخراً خياره بقوله:"لاتيه مع سكر وسط". تبدأ السهرة بقهقهة عالية أحدثها تعليق أحمد المفاجئ على وصول حسان، وتمضي الأحاديث إلى الساعة الواحدة والنصف ليلاً، ليعتذر بعدها علي على تأخره على زوجته، ويشكر زملاءه على"السهرة الممتعة"كما يصفها، ويصر على دفع الحساب بعد محاولة من زميل آخر، ويضيف علي:"أنا عازمكم الليلة"، ويودع"شلة الأنس"إلى لقاء في سهرة أخرى من"ليالي التحلية".