هدية مجهول في عيد الحب تتسبب في مقتل فتاة    العُزلة الواعية تغيّر مزاجك وسط زحام الحياة    اعتزال الإصابة    آلام الأسنان.. جرس إنذار لمشكلات قلبية    «غير النفطية» سجلت 40 % من الإيرادات.. و115 ملياراً إجمالي العجز    فنون أبها تختتم ليالي الفوتوغرافيين الشتوية    إلياس وبخاري يتقبلان التعازي في فقيدتهما    المركز الوطني للفعاليات يوقع مذكرة تفاهم مع مركز الخدمات الصحية المساندة بوزارة الصحة    تعاون بين جمعية الزهايمر وهيئة أموال القاصرين لدعم ورعاية المرضى وذويهم    دوران: فخور باللعب بجوار رونالدو    جوميز: نحتاج إلى التركيز وحصد النقاط أمام الاتفاق    «كل النجوم».. أشهر أحداث دوري NBA    فيلاديلفيا إيغلز يثأر من ال«شيفز» في نهائي «سوبربول»    بيوت جازان.. أضواء السّراج ونكهة السَّليط    «نيوم» يكسر ال«عين» ويتصدر دوري يلو    سيماكان النصر أغلى مدافعي دوري روشن    جودة الحياة في ماء الثلج    في يوم النمر العربي    "جي إف إتش" تحقق زيادة 15.21 % في الربح الصافي العائد للمساهمين للعام 2024 ب118.50 مليون دولار    خارطة طريق مغربية لتحقيق الوصول ل26 مليون سائح    التأمين الصحي.. عقبة أم ضمان؟    دور القيم في التنمية الاقتصادية    القيمة والتأثير    «عبدالجواد» يضم معاذ والشمراني وشهيل والنجعي لمنتخب القدامى    نفوذ القائد.. سلاح أقوى من الأوامر    منع المقدسيين من رخص البناء والتوسع في هدم منازلهم    «بوصلة التنافسية» تعزز الاقتصاد «الأوروبي»    اختزال القضية الفلسطينية    هطول أمطار متوسطة على الرياض    الشاعرة الشعبية وجيمس بيكر..!    الرئيس ترمب.. لا تخسر أصدقاءك وحلفاءك!    عطني المحبة كل المحبة.. عطني الحياة..!    ذاكرة التاريخ ونسق الثقافة والجغرافيا    الفتوّة المتأخرة    المستقبل من نافذة «ليب»    نصف مقال !    العنوسة في ظل الاكتفاء    لماذا التشكيك في رجاحة عقل المرأة..؟!    القوة الجبرية للمتغيب عن جلسات القضايا الزوجية    قانونية السياحة الفضائية..!    سبل المساءلة عن الجرائم الدولية: خيارات العدالة بعد الأسد    محمد بن فهد.. ترحل الأجساد وتبقى الذكرى    أيهما أسبق العقل أم التفكير؟    قسم الاعلام بجامعة الملك سعود يقيم فعالية الاعلام والحرف اليدوية،    "رمز أحمر" ب"مركزي القطيف" يخلي 10 أقسام والدفاع المدني يسيطر على الحريق    مدير عام تعليم مكة يدشّن المعرض الفني واحتفالية يوم التأسيس    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية "إطعام"    برنامج "أمل" السعودي في سوريا.. ملحمة إنسانية ونبض حياة    أمير الأحساء يكرم الفائزين بجائزة تميز خدمة ضيوف الرحمن    منطلق حوار للحد من تفشي الطلاق    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    الحلم النبيل.. استمرار للمشروع السعودي    صالح الجاسر: 240 مليار ريال بقطاع النقل و «اللوجستية»    إعلاميو "الأوفياء" يطمئنون على الحداد    أمريكية تعتصم أمام منزل خطيبها الباكستاني    ثمن المواقف الأخوية الشجاعة للسعودية والأردن ومصر.. الرئيس الفلسطيني يشدد على اعتماد رؤية سلام عربية في القمة الطارئة    مملكة الأمن والأمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض في غاليري "الأيام" الدمشقية . يوسف عبدلكي يعيد المعنى إلى أشياء الحياة المهملة
نشر في الحياة يوم 17 - 12 - 2007

لا يمكن زائر معرض الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي، المقام في غاليري "الأيام" في دمشق، بعيداً من"الرعاية الرسمية لوزارة الثقافة السورية"، خلافاً للتقليد المتبع، أن يعثر على أجوبة ناجزة لما رأته عيناه للتو. ففي محاولته صوغ جواب ما لدى وقوفه أمام إحدى اللوحات، تأتي اللوحة التالية لتنسف تلك القناعة وتكشف هشاشتها، فتتزاحم الأسئلة الوجودية المقلقة، لوحة إثر لوحة، على ضفاف الروح. كأن عبدلكي في تجربته الفنية التي انطلقت من بلدته الصغيرة القامشلي حيث ولد العام 1951، ونضجت في دمشق حيث تخرج في كلية الفنون الجميلة منتصف السبعينات، واكتملت في باريس التي لجأ إليها العام 1980... كأنه يسعى إلى إشراك المتلقي في البحث عن أجوبة أخفقت لوحته في إيجادها، ليقينه بأن"الفن ليس إلا صوت أحلامنا الخائبة".
وعلى رغم هذه القراءة التي تبدو معقدة، فإن لوحة عبدلكي البالغة الإتقان، العالية الدقة، تقدم نفسها على نحو شديد البساطة، وتحتفي بما هو أليف إلى درجة الابتذال. فهذا الفنان يرى المشهد من زاوية مختلفة، فهو يعيد المعنى إلى تلك الأشياء المنسية والمهملة. يرصد كل ما يوحي بالألم، ليرسم عالماً سوداوياً عبر توظيف مبتكر لمفردات وعناصر تحرض على الأسئلة الحائرة: رأس سمكة مقطوع أو موضوع في صندوق"زهرة يتيمة تبحث عن غصن، أو أغصان جافة مرمية على قارعة النسيان"مزهرية مكسورة في فراغ شاسع"عظام جماجم وأضلاع بشرية"أصداف تستحضر زرقة البحر"أباريق وكؤوس بلا ندامى"علبة سردين فارغة"زنابق ذابلة"أحذية لنساء غائبات يتوهم الزائر اكتمال حضورهن الجسدي"نصل بدا مستعداً لمجزرة"قبضة يد مبتورة... وسواها من الأشياء التي جمعها عبدلكي بحنو بالغ، وبحس مرهف ليبحث لها عن ضوء وسط هذا السواد، عن مكان يليق بضعفها، وهامشيتها... وهو بارع في جدلية الظل والنور، مثلما هو بارع في رسم الخطوط الرقيقة في خلفية اللوحة التي يتصدرها في المنتصف شكل هو أقرب ما يكون إلى النسيان والعزلة، والغياب.
هذه الأشياء المهملة والنافلة هي التي تحتل المتن، وتتصدر فضاء اللوحة، وما يزيد من عزلة هذه العناصر وقتامتها هو انها مرسومة بتقنية"فحم"على الورق، وعلى المتلقي، عندئذ، أن يلاحظ تلك الطاقة التعبيرية والجمالية المختزنة في هذه الأشياء التي فقدنا الإحساس بها، وأن يستنتج الدلالات والرموز عبر الاستعانة باللونين الأسود والأبيض وتدرجاتهما فحسب. يقول عبدلكي مبرراً نزوعه نحو جعل الهامشي متناً"إن الأشياء المهملة تحمل طاقة جمالية لم نعد نتبينها بسبب حضورها الدائم، وهي كذلك حافلة بالمعاني والدلالات المباشرة أو الميتافيزيقية"، ولعل هذا ما يشير إليه الرسام إميل منعم:"عندما يرفع عبدلكي الستارة عن مفرداته يكون للأسود دور إضفاء لغة بليغة على مضامينها، وقد عرّاها من نسب الانتساب إلى الطبيعة، ودفع بها منذ البداية، من عالم الواقع الطبيعي إلى عالم الدلالة الرمزية".
إزاء ذلك من الصعب أن نجد في لوحة عبدلكي ما يشي بالحركة والحياة، فهي غارقة في فراغ موحش وصامت. وثمة غياب متعمد لمن يستخدمها: أي الإنسان، إذ لا توجد وجوه لبشر سوى تلك التي تراقب اللوحة بذهول من خارجها، وتحاول قراءة المعاني الكامنة خلف خطوطها الانسيابية الرقيقة، ولئن ظهر ما يفترض انه يضج بالحياة، فإنه يكون على شكل جمجمة مخيفة، أو نعش، كتلك اللوحة اللافتة، المتدلية من السقف، والتي تظهر جثة في نعش، وحين يدقق المرء النظر يقرأ هذا المقطع للشاعر السوري نزيه أبو عفش:"ماذا يحدث على الأرض؟/ ماذا يحدث في السماء؟/ عندما تفتح امرأة غطاء النعش، وتصرخ: يا ولدي". هذا المقطع لم يدرجه عبدلكي لجلاء معنى اللوحة، بل يقر بأن"اللوحة حاولت تأويل كلمات الشاعر بصرياً"، ويزيد بأن"هذه اللوحة هي مقدمة للاشتغال على قصيدة أبو عفش، فأنا لدي مشروع في هذا الإطار يراودني منذ سنوات ولكنه مؤجل، إذ يصعب عليَّ إيجاد معادل بصري للزخم والطاقة المبثوثة في قصيدة أبو عفش، فذلك يتطلب الكثير من التأني، والاجتهاد".
إن الفضاءات السوداء والرمادية في لوحات عبدلكي ذات الأحجام الكبيرة، يصل قياس بعضها إلى أكثر من مترين، التي ترى في مركزها كتلة ضئيلة، توحي بالكآبة والحزن والفزع. وعبدلكي الذي كان اعتقل نحو سنتين، في سورية، على خلفية موقفه السياسي، قبل هجرته إلى فرنسا، ومنع من العودة لأكثر من ربع قرن، لا ينفي حقيقة هذا الإيحاء، بل يوضح أن"الحياة التي نعيشها ضارية وقاسية، فأنا لم أخترع هذه السوداوية، بل هي حصيلة طبيعية لما يقاسيه الإنسان في واقعه اليومي المعاش". لكنه ينفي أن يكون الدافع وراء اقتصاره على اللونين الأبيض والأسود، هو الإمعان في إظهار الجانب التراجيدي، بل"وجدتُ أن هذا الاتجاه هو الأنسب لأستخدم طاقتي التعبيرية". ولئن برز، بخجل، اللون الأحمر مخترقاً، في مرات قليلة، هذا السواد الطاغي، فإن ذلك"نوع من المداعبة للون الأسود لئلا أبدو وكأنني أسير له".
في الكاتالوغ الذي يوزع على الزوار، ثمة رصد لمحطات تجربة عبدلكي الفنية. حارب عبدلكي سنوات طويلة كل أشكال القمع، عبر الحفر، والكاريكاتير، والرسم، والكتابة حتى امتلأت لوحاته الأولى بوجوه ودمى وخيول... بمشاهد، ورموز، وتفاصيل من الشرق الحزين. لقد فتح معارك اللون على اتساعها وراح يوثق لصنوف الاستبداد في لوحة انطوت على مشهدية بصرية حافلة بالصخب. وحين آمن بأن اللوحة أضعف من أن تحقق تلك الأحلام العريضة، راح يبحث عن أشيائه البسيطة، ولم يعد يثقل لوحته بتلك الأيديولوجيا الحالمة. هجر مسرح المعارك. أهمل التفاصيل وتبنى الاختزال والاختصار. لقد بدأ يلتقط، بهدوء وأناقة، حركة غصن، صمت مزهرية، وضآلة حذاء... وسواها من المفردات المماثلة، منحازاً إلى الإنسان، رهانه الأوحد، دائماً، وهو رهان على العدالة والجمال في مواجهة القبح.
سيرة ذاتية
أقام الفنان يوسف عبدلكي معارض فردية عدة في مختلف العواصم والمدن في العالم منذ مطلع السبعينات وحتى اللحظة. وإضافة إلى بعض المدن السورية فقد شهدت عواصم ومدن عربية وغربية معارض له مثل القاهرة وتونس وعمان وبيروت ودبي وصفاقس والمنامة وباريس والإسكندرية والكويت... وشارك في معارض جماعية في بغداد وبرلين وباريس والقاهرة ولندن وبيروت وتايوان وهامبورغ وجنيف والشارقة. وتقتني لوحاته متاحف مهمة في العالم مثل المتحف البريطاني، ومتحف معهد العالم العربي في باريس، ومتحف ديني لي بان في فرنسا، ومتحف عمان للفن الحديث، ومتحف الكويت، وصمّم عشرات الملصقات وأغلفة الكتب والشعارات، ونشرت رسومه وأعماله الكاريكاتورية في مجلات وصحف، عربية وعالمية، منها"الموقف العربي"وپ"لومانيتيه"وپ"القدس العربي"وپ"الشروق"وپ"الخليج"، وملحق النهار... وسواها، وصدرت له دراسات، منها"تاريخ الكاريكاتير في سورية"، وپ"دراسة عن رسامي الكاريكاتير العرب وتقنياتهم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.