وسام الاستحقاق الذي ناله الملحن سهيل عرفة جاء تتويجاً لمسيرة فنية طويلة غنية، وحكاية في سلسلة حكايات تزخر بها حياه الفنان عرفة التي شكلت في مجملها رواية موسيقية جعلت من صاحبها موسيقياً مرموقاًََ سورياً وعربياً. أولى هذه الحكايات بدأت في المسجد الذي كان يذهب إليه الطفل سهيل للاستماع الى الأذان والإنشاد الديني. ولأن صوته جميل كان شيخ المسجد يسمح له بالأذان والتذكير ليلة الجمعة في مئذنة الجامع. ونما عنده حب الغناء. ولكن أنى يكون له ذلك وفي المنزل أبٌ محافظ. مع ذلك اشترى الطفل عوداً، وأدخله إلى المنزل سراً، لكن الأب اكتشف العود فحطمه. فاقتصر حبه للغناء على مشاهدة أفلام أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. وأتيحت له فرصة للاستماع الى الغناء حين اشتغل في محل لتصليح آلات الراديو والتسجيل. وفي أحد الأيام أرسله صاحب المحل لإصلاح مسجلة معطلة في منزل الموسيقي عبد العزيز الخياط، وبلحظات أصلح سهيل المسجلة. فأعجب به الموسيقي. ودعاه لتناول الضيافة، فلاحظ سهيل وجود عود وطلب من صاحب البيت العزف عليه، وسمعه الخياط يعزف بإتقان فدعاه لحضور سهرة عنده في اليوم نفسه شارك فيها أربعة موسيقيين هم عدنان قريش وأمير البزق محمد عبدالكريم ونجيب السراج ورفيق شكري. طار سهيل من الفرح . فهو سيجلس مع فنانين كان يحلم فقط بمشاهدتهم. وعند المساء سمعه الفنانون الأربعة يعزف ويغني بإتقان. فدعاه عدنان قريش لزيارته في الإذاعة والمشاركة في برنامج"ألوان"الذي كان يقدمه عبد الهادي البكار. وغنى"نورا"لفريد الأطرش وتم قبوله في الإذاعة مطرباً. وبدأ رحلته مع الفن. وليرسخ قدميه على أرض صلبة، تعلم النوتة الموسيقية، وأصبح يتعامل مع الموسيقى في شكل علمي. لم يطل عهد سهيل عرفه مع الغناء، فقد اكتشف المسؤولون في دائرة الموسيقى أن موهبته في التلحين أفضل من موهبته في الغناء، فنصحوه التوجه نحو التلحين. ولكن مَن مِن المطربين يقبل أن يلحن له ملحن مبتدئ؟ في العام 1958 جاءت الفرصة، ففي أحد الأيام اصطحبه الصحافي عدنان مراد إلى المطربة نجاح سلام، وأسمعها أحد ألحانه فأعجبت باللحن وسجلته بصوتها لإذاعة دمشق. وهكذا كان أول لحن لسهيل عرفة لمطربة عربية كبيرة. وعنوان الأغنية"رمانا بحبو يا قلبي اللي مالو قلب". وتتالت بعد ذلك ألحانه لنجاح سلام فكانت أغنيات"ولله لانصب تلفون"و"روق يا عم"و"الله الله يا سعدو"وغيرها. وفي العام نفسه ظهر في دمشق مطرب شاب اسمه فهد بلان. وكان سهيل عرفة أول من لحن له، والأغنية"يا بطل الأحرار"عن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. وكما بدا كان لعام 1958 خيراً عليه، حضر إلى إذاعة دمشق الفنان حليم الرومي والد المطربة ماجدة الرومي ليسجل بعض ألحانه. وسمع لحن عرفة لنجاح سلام، فأعجب به ودعاه إلى إذاعة بيروت. وهناك لحن لنصري شمس الدين ليلى. اندلعت ثورة الثامن من آذار في سورية ولحن كثيرون لها، لكن ألحانهم كانت حماسية وما لبثت ان خبت. وفي أحد الأيام قدمت له ادارة إذاعة دمشق قصيدة للشاعر خليل خوري، طالبة منه تلحينها لدلال شمالي، وعنوان القصيدة"من قاسيون أطل يا وطني". وعلى رغم أن القصيدة عمودية، فهو لحنها في قالب الطقطوقة مطلع يردده الكورس بين المقاطع الأخرى. ولم يلحنها بأسلوب النشيد. وحققت الأغنية نجاحاً وطغت على سواها. ولحن لدلال شمالي أغنيات أخرى منها:"فنجان القهوة المرة"،"عينك ع النار شعلها"والأغنيتين الوطنيتين"قلعة التحدي"و"المعجزة". المطربة الكبيرة صباح عرّفه عليها المنتج السينمائي السوري تحسين القوادري، وأول لحن قدمه لها كان"آخد قلبي سكارسة من الشام لبيروت". إلا أن قمته معها كانت في أغنية"ع البساطة"، وهي من كلمات الشاعر ميشال طعمه. وتوالت"حكايات"سهيل عرفة مع المطربين الكبار. لحن لوديع الصافي يا دنيا ولسمير يزبك أغنيات منها"يا حوا راح اللي راح"و"يا بلادي خدي شادي"ولصباح فخري"ميلي ما مال الهوى"و"يا مال الشام"، وهي مختلفة عن لحن أبي خليل القباني. ولشادية"يا طيرة طيري يا حمامة"ولمروان محفوظ وسميرة توفيق وفؤاد حجازي ونور الهدى وطروب، ورفيق السبيعي الذي قدم من ألحان سهيل عرفة"بالعربي الفصيح"و"حبوباتي التلموذات""خدلك سيجارة"وأيضاً لمحمد عبدالمطلب ويسرى البدوية ومصطفى نصري وكروان ومها الجابري وابنته أمل. وامتدت ألحانه إلى المغرب العربي، فغنت سميرة سعيد من ألحانه"يا نهر الشام". وفي تونس لحن للمطرب أحمد حمزة"قالوا هالأرض صغيرة"ولسلاف"والله مانا تايبة"، وللمطربين معاً حوارية"تقدر على فرقاي".إلى قائمة طويلة من المطربين السوريين والعرب . ونالت أغنية الطفل مساحة واسعة من فن سهيل عرفة. وحاز لها جوائز، منها الجائزة الأولى لمهرجان أغنية الطفل في السودان عام 2004 عن أغنية"يا أرضنا الجميلة". لكن الجائزة الأهم كانت الجائزة الذهبية في المهرجان العالمي لأغنية الطفل عن لحنه لأغنية"يا أطفال العالم"التي كتبها عيسى أيوب وغنتها الطفلة آنذاك هالة الصباغ . وألحانه للأطفال كثيرة، وجميعها بالعربية الفصحى. وغنت ابنته أمل معظمها، وهي ذات مضامين تربوية توجيهية. وقد كرمه المجمع الموسيقي العربي عام 2000، ومهرجان الرواد العرب عام 1999، ومهرجان تكريم كبار نجوم الطرب العربي في لبنان عام 2001، ونال دبلوم شرف من المعهد الموسيقي في حلب، وكرمه مهرجان الأغنية السورية أكثر من مرة .